تمثل القوات المسلحة الجنوبية الامتداد العسكري للمؤسسة العسكرية الوطنية وتقاليدها وأمجادها المعروفة في مختلف مراحل التاريخ الحضاري والعسكري للجنوب، وهي كذلك الامتداد العضوي لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية العريق والمعروف الذي تم تكوين وصقل مواهبه في أتون حرب التحرير الشعبية قبل أن يتولى واحدة من أعظم وأخطر المهام والواجبات الوطنية في تأمين مسيرة الثورة والدفاع الكامل عن حرية الوطن وسيادته ووحدته الجغرافية وتوفير بيئة أمنية وطنية وعسكرية مستقرة لتعزيز أركان الدولة الجنوبية وتقدم المجتمع وازدهاره.
وليس مستغرباً أن يتحول الجيش الوطني الجنوبي بعد الوحدة إلى هدف أساسي للمؤامرات والحروب الناعمة والاستهداف المباشر من قبل العديد من الأطراف الداخلية والخارجية التي أدركت مبكراً أن تمرير مشروعها في ابتلاع الجنوب وهضمه سيبدأ مهمة تفكيك وتدمير أهم مصادر مناعة وقوة ومناعة ووحدة ونفوذ الوطن الجنوبي والمتمثلة تاريخياً بجيشه وأمنه.
“مؤامرة لاستهداف الجيش والوطن الجنوبي”
لقد سبقت المؤامرات التي تستهدف الجيش والوطن الجنوبي إعلان الوحدة، وتجلت جلياً في الاتفاقات السياسية بشأن إعادة انتشار وتموضع التشكيلات العسكرية الجنوبية داخل الأراضي الشمالية، لتتواصل بعدها المهمة التآمرية من خلال الاستنزاف الكبير لكل عناصر قوتها المادية والبشرية والثقافية وعقيدتها وأخلاقها الوطنية وتمزيق نسيجها الداخلي، وجاءت الحرب بعد أربع سنوات من التدمير المتواصل لتمثل تتويجاً للعمل التآمري والقضاء المتسلسل على تشكيلاتها العسكرية المنتشرة في المحافظات الشمالية واحدة تلو الأخرى، والاستيلاء على كل معداتها وأسلحتها التي حشدت وأعدت لغزو واحتلال الأرض الجنوبية بحشود عسكرية غير مسبوقة شاركت فيها جماعات القاعدة الإرهابية الدولية والقوات الشمالية بأطيافها العسكرية والأمنية والقبلية وأحزابها السياسية.
ولم يتوقف استهداف الجيش الجنوبي عند هذه المرحلة، بل استمر بعد احتلال الجنوب، بطرد كل من تبقى من قيادات وعناصر هذا الجيش وإحالة بعضهم إلى التقاعد القسري، ثم حملة اغتيالات لأبرز قياداته وأكفأ عناصره وأكثرهم مهارة في مختلف المجالات ومن كافة فروع القوات المسلحة، ثم مهمة إفقارهم بشكل ممنهج بأبشع الوسائل والممارسات التي لا مثيل لها في التاريخ، وأغلقت كل أبواب الالتحاق والعمل في المؤسسة العسكرية والأمنية، وكذلك الكليات والمعاهد والأكاديميات في الداخل والخارج، أمام مختلف فئات وشرائح الشعب الجنوبي، مع بعض الاستثناءات لعناصر مختارة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة سنوياً.
وبعد نجاحه في تدمير الجيش الجنوبي وهزيمته عسكرياً وتشريد ما تبقى من أفراده، ظن المستعمر الجديد أنه حقق أحلامه القديمة المتجددة في ابتلاع الجنوب وهضمه وتحويل جغرافيته وثرواته إلى قطاع خاص به، وقتل إرادة الشعب وتدجينه بل واستعباده، وضمان عودة «الفرع إلى الأصل أو عودة الابن الهارب إلى حضن أمه الحنون». في ذلك الوقت، اعتقد النظام، وهو في ذروة فرحته ونشوته، أن الشمال سوف يمتلك الجنوب لقرون.
ولكن نشوة الفرح والنصر والفخر التي عاشها نظام الاحتلال بعد حرب 1994 لم تدم طويلا، فالجيش الجنوبي الذي اعتقد هذا النظام أنه قضى عليه تماما ودفنه إلى الأبد، فوجئ بعودته من جديد كطائر الفينيق من تحت رماد وركام الهزيمة. هذا الجيش الذي دمرت معداته وأسلحته وكل هياكله وخسر الكثير من قياداته وضباطه وأفراده، لم يمت أو ينتهِ كانتماء وطني جنوبي، ولم ينتهِ كفكر وثقافة ووعي وتقاليد وقيم عسكرية جنوبية أصيلة، بل عاد للظهور علنا من خلال جمعية المتقاعدين العسكريين التي أشعلت شعلة الثورة الجنوبية الجديدة في وقت مبكر، وأصبحت حاضنة وحضانة تربوية لقيم ومبادئ الثورة وأعادت غرسها في وجدان ومشاعر الشعب الجنوبي على اختلاف شرائحه وأعماره.
“القوات الجنوبية.. صمود في مواجهة التحديات”
وبرزت أشكال وأساليب حديثة متعددة من النضال الثوري التحريري، تطورت وترسخت في وعي وثقافة وسلوك شعوب الجنوب، حتى تحولت إلى حركة ثورية سلمية وصلت صداها إلى كل أرجاء المعمورة، كأول ثورة وطنية سلمية منظمة ذات مسارات واضحة وأهداف قصيرة وطويلة المدى على مستوى المنطقة والعالم العربي.
لقد نشأت وتشكلت وترعرعت وصقل شبابها ومكوناتها الفكرية والأخلاقية في أتون هذه الثورة مسجلة بذلك إعادة إنتاج وتجدد وإحياء مستمر لتجربة أجداد وآباء الثورة الجنوبية الأولى. ورغم التشابه بين تجربة الثورتين والاستمرارية الجينية والجيلية لعناصر وقوى هاتين الثورتين إلا أن تجربة القوات المسلحة الجنوبية المعاصرة أغنى وأكثر تنوعاً في أدواتها وتجاربها وأساليبها وخبراتها القتالية والنضالية وفي معاركها وحروب التحرير التي انتزعت من هذا الشعب ولا تزال تدفع ثمناً باهظاً وتقدم تضحيات جسيمة.
وتبدو القوات المسلحة الجنوبية في معركتها الراهنة من أجل التحرير واستعادة الدولة أكثر قوة وشراسة وتنوعاً واتساعاً في نطاق جبهات المواجهة مع أعداء كثر، منهم من هو معروف وواضحة ملامحه وخصائصه وخطوط المواجهة والاتصال معهم، ومنهم من يرتدي عباءة الأخ أو الصديق أو الحليف، يعيش معنا بين الشقوق والتصدعات الاجتماعية وفي المناطق الرمادية، شعاراته معنا وأفعاله ضدنا، وآخر خفي وغير واضح بقدر ما تظهر أفعاله وجرائمه، وهناك أعداء لم تظهر ملامحهم على شاشات ورادارات الثورة الجنوبية، وكل هذه العوامل والظروف تجعل معركة الجنوب المعاصرة أكثر صعوبة وأقوى وأكثر تكلفة وأطول زمناً.
إن الانتصارات التي تحققها قوات الثورة الجنوبية وقواتها المسلحة تلهم الجميع لمزيد من البذل والتضحية والعطاء وتعويد الجميع على الصبر والتحمل والصمود طويل المدى لمواجهة المخاطر والتحديات والأهم من ذلك أنها تعزز ثقة الشعب بحتمية النصر وهزيمة الأعداء حتى لو تآمروا على الجنوب وهذه الثقة التي تستمدها القوات المسلحة من إرادة الشعب هي في الحقيقة نطقة التاريخ الجنوبي في مراحله المختلفة.
“الزخم الوطني في أبين وحضرموت.. رسائل للداخل والخارج”
وعلى صعيد آخر، وفي خضم مرحلة سياسية مليئة بالتحديات، يوجه المجلس الانتقالي الجنوبي رسائل لشعبه بعد أن تجسدت صور جديدة من الوطنية في العديد من المحافظات، والتي أكدت في مجملها التماسك الكامل خلف القيادة السياسية، وهو ما حدث مؤخراً في محافظتي أبين وحضرموت، حيث شهدتا حراكاً وطنياً واسعاً وفعالاً، سواء فيما يتصل بلقاءات وتجمعات القبائل والشيوخ في أبين، أو اللقاء الموسع في حضرموت.
وكان القاسم المشترك بين الحركتين هو أن الجنوب مستمر في مسيرته وسط تضامن كبير في الداخل الجنوبي شعباً وقيادة، وهو ما يشكل صورة كبيرة في مواجهة مختلف أنواع التحديات، فضلاً عن أن تداعيات الحراك السياسي الذي شهده الجنوب كانت حاضرة في الاجتماع الذي عقدته مؤخراً هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة علي عبدالله الكثيري القائم بأعمال رئيس المجلس رئيس الجمعية الوطنية وبحضور وزراء المجلس في الحكومة ورؤساء الهيئات المساندة.
وتطرقت هيئة الرئاسة في اجتماعها إلى مستجدات الأوضاع على الساحة الجنوبية، وأبرزها ما تشهده محافظتي أبين وحضرموت. وفي هذا الصدد ثمنت هيئة الرئاسة المواقف الوطنية لأبناء أبين والتي تجسدت في اللقاءات والتجمعات الأخيرة للشيوخ القبليين والشخصيات والوجهاء الاجتماعيين والقيادات المحلية، والتي جددوا من خلالها دعمهم للمجلس الانتقالي الجنوبي وقيادته السياسية، ودعمهم ومساندتهم لجهود القوات المسلحة الجنوبية في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وترسيخ الأمن والاستقرار، ووقوفهم الثابت ضد دعوات إثارة الفتنة والمناطقية والفرقة بين أبناء الوطن الجنوبي الواحد.
وأشارت الرئاسة إلى أن الحراك الشعبي الذي شهدته محافظة أبين خلال الأسبوع الماضي يعكس القيمة الحقيقية لأبناءها وحسهم الوطني العالي، ويؤكد أن أبين وشعبها كانوا وسيظلون ركيزة أساسية في مسيرة النضال الوطني الجنوبي، وداعماً حقيقياً للجهود الرامية إلى حفظ الأمن والاستقرار، وتحقيق تطلعات شعبنا في الحرية والاستقلال.
وفي ذات السياق أكدت هيئة الرئاسة دعمها لمخرجات اللقاء الموسع لقيادات المجلس الانتقالي بمحافظة حضرموت والذي أفضى إلى تشكيل لجنة تواصل لتوحيد الصفوف وحسم حقوق المحافظة ودعم قوات النخبة الحضرمية، مؤكدة أن هذه الخطوة تأتي في إطار حرص المجلس والتزامه بالدفاع عن حقوق حضرموت وتطلعات أبنائها في إدارة شؤونهم بأنفسهم والتواصل المستمر مع مختلف شرائح المجتمع بالمحافظة.
ودعت الرئاسة أبناء حضرموت إلى دعم هذه اللجنة والمشاركة الفاعلة في جهودها، لتعزيز الحوار والتفاهم بين أبناء المحافظة وتفعيل دورهم في بناء مستقبل حضرموت في إطار المشروع الوطني الجنوبي. إن الحراك السياسي والوطني والشعبي في حضرموت وأبين لا يمثل حالة استثنائية، بل الأمر يشمل كل أجزاء الجنوب الذي يعيش نهضة وطنية كبرى، ويشهد اصطفافاً كاملاً خلف المجلس الانتقالي في مواجهة التحديات، وهو ما يبعث برسالة واضحة لقوى الشر بأن الجنوب يصطف بقوة ولن يتنازل عن تحقيق المزيد من المكاسب التي تخدم مسار استعادة الدولة وفك الارتباط.
“القدرات الدفاعية الجنوبية لمواجهة مؤامرات العدو”
كما أن حالة اليقظة التي يتمتع بها الجنوب على المستوى العسكري واضحة، وهي تشكل ضمانة أساسية لإلحاق خسائر فادحة بقوى الشر اليمنية على كافة المستويات في إطار سياسة جنوبية حازمة ترفع راية الاستقرار وتضع حداً لتفاقم الإرهاب على أراضيها، وتترجم حالة اليقظة إلى قدرات دفاعية يمتلكها الجنوب تضاف إلى القدرات العسكرية الهجومية التي يمتلكها الجنوب والتي تساهم في تحقيق الأمن وتثبيت الاستقرار على أراضيه.
.