لقد شكلت ثلاثة عقود من الظلم والإقصاء والتهميش عبئاً ثقيلاً على أكثر من 72 ألف موظف جنوبي مدني وعسكري، عانوا من الفقر والحرمان بسبب قرارات الفصل والإبعاد والتقاعد القسري التي اتخذها نظام الاحتلال بعد سقوط الجنوب في حرب صيف 1994.
وتأتي هذه الجريمة ضمن سلسلة طويلة من الجرائم الممنهجة التي ارتكبها الاحتلال بحق شركاء الوحدة التي اغتالها الجانب اليمني الشمالي بعد أن خان الجنوبيين الذين قدموا دولتهم وعاصمتهم وعملتهم الوطنية وتنازلوا عن رئاسة دولة الوحدة ثمنا لتحقيقها.
لقد تمكن الجنوبيون من طرد الاحتلال وتحرير الجنوب في حرب 2015م، وكان من نتائج الانتصار الجنوبي إعادة الأمل للموظفين الجنوبيين المهجرين قسراً وتطلعهم لإنهاء المعاناة والظلم الذي مارسه الاحتلال بحقهم.
تعهد الرئيس عيدروس الزبيدي، بعد توليه رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، برفع الظلم عن كافة الموظفين الجنوبيين المغيبين والمفصولين قسراً والمحالين على التقاعد القسري، واستعادة حقوقهم المسلوبة على مدى ثلاثة عقود، وهو ما تحقق مؤخراً بتسوية أوضاع أكثر من 34 ألف موظف جنوبي ودفع رواتب الغائبين.
في هذا التقرير نتناول قضية الموظفين الجنوبيين الغائبين والمهجرين قسراً .. تاريخها وأسبابها ومن المتسبب فيها وتطوراتها حتى وعد الرئيس الزبيدي للمغيبين والمهجرين قسراً وتعهده برفع الظلم عنهم، واستعراض الجهود التي بذلها الرئيس الزبيدي ونائبه العميد أبو زرعة المحرمي في سبيل حل هذه القضية.
*الخلفية التاريخية
في 22 مايو 1990م، اتحدت جمهورية اليمن الجنوبية مع الجمهورية العربية اليمنية على أساس الديمقراطية والشراكة الوطنية وإقامة دولة المؤسسات والنظام والقانون.
وعلى وقع أحلام الوحدة العربية وأمل إقامة دولة وطنية ديمقراطية تتوفر فيها كل مقومات التنمية والرخاء وتتضافر فيها جهود الشعبين، دخل الجنوبيون في الوحدة، ومن أجل تحقيقها تنازلوا عن رئاسة الدولة الموحدة، وتخلوا عن عاصمتهم الجنوبية عدن بموقعها الاستراتيجي ومينائها الشهير وانفتاحها على العالم، وقبلوا أن تكون صنعاء مدينة جبلية تحيط بها قبائل بدائية تفتقر إلى الحضارة، وحاربوا أي محاولة لبسط نفوذ الدولة وإقامة ثقافة النظام والقانون.
وفي مقابل كل هذه التنازلات كان النظام في الجمهورية العربية اليمنية يخطط للخيانة والانتقام من شركائه الجنوبيين، وكان ينتظر الفرصة للانقضاض على اتفاقات الوحدة وإلغاء الشراكة التي كانت أساس قيامها، وتحويلها إلى احتلال.
أشهر قليلة كانت كافية لكشف نوايا نظام صنعاء ومخططاته الخيانية في إفشال الوحدة والتنصل من كل العهود والمواثيق.
شنت القوى الدينية المتطرفة المرتبطة بالنظام الشمالي حملة تحريض شرسة ضد أبناء الجنوب، واعتبرتهم شيوعيين ملحدين وكفاراً، وأصدر بعض مشايخ الدين فتاوى تجيز لأتباعهم اغتيال القيادات الجنوبية في مؤامرة تهدف إلى التخلص من هذه القيادات وتمهيد الطريق لشن حرب تنهي الوحدة وتخضع الجنوب بالقوة العسكرية.
وبدأ الاحتلال تنفيذ مخطط لإسقاط الجنوب والتخلص من اتفاقيات الوحدة، وشنت حملة اغتيالات واسعة استهدفت أكثر من 150 من القيادات العسكرية والمدنية الجنوبية، قبل أن تنطلق الحرب رسمياً في صيف 1994، والتي انتهت بسقوط الجنوب في 7 يوليو/تموز 1994.
*الإقصاء والتهميش
وبعد سقوط الجنوب ارتكب النظام الإحتلالي اليمني أبشع الجرائم بحق الجنوب، وكان من أكبر جرائمه طرد أكثر من سبعين ألف موظف جنوبي مدنيين وعسكريين من مختلف الرتب والدرجات والمناصب.
أكثر من 72 ألف موظف جنوبي فقدوا وظائفهم بسبب قوانين الفصل والتقاعد القسري وإبعاد القيادات الجنوبية من مناصبها وتجريد من تبقى من الصلاحيات وتركهم مجرد زينة بينما أبسط موظف شمالي يسيطر على كل شيء.
وبسبب العنصرية والتمييز ضد كل موظف جنوبي، أصبح من الطبيعي رؤية طيار حربي يعمل في بسطة الخضار، حيث فقد عشرات الآلاف من الموظفين الجنوبيين دخلهم نتيجة هذه القرارات الجائرة.
*ثورة ضخمة
في 7/7/2007م اشتعلت شرارة الثورة الجنوبية السلمية وخرج مئات الآلاف من أبناء الجنوب في مظاهرات حاشدة تطالب بطرد الاحتلال واستقلال الجنوب وكان العسكريون المتقاعدون والمبعدون والمقطوعون في مقدمة قوى الثورة الجنوبية.
*عهد الرئيس وولائه
قبل سنوات تعهد الرئيس عيدروس الزبيدي للموظفين الجنوبيين الغائبين والمبعدين قسراً باستعادة حقوقهم كاملة.
نفذ الرئيس الزُبيدي وعده، وتوجه أكثر من 34 ألف موظف جنوبي عسكريين ومدنيين ممن تم تهجيرهم قسراً، إلى شركة القطيبي التي تولت عملية صرف رواتبهم ومستحقاتهم المالية غير المدفوعة.
* الحق الأصيل
وتعتبر المستحقات المالية التي صرفت لأكثر من 34 موظفا جنوبيا غائبين أو مبعدين جزءا بسيطا من حقوقهم المسلوبة منذ عقود.
ويقول العميد عباس ناجي إن “المبالغ التي تصرف للعسكريين والأمنيين والموظفين الغائبين هي حق أصيل لهم وليست منة أو هبة من أحد كما تروج وسائل الإعلام التابعة للإخوان والشرعية”.
ويقول العميد عباس “أنا منذ عقود برتبة عميد وراتبي الشهري سبعون ألفاً، أليس هذا قمة الظلم والقهر؟ أشكر الرئيس الزبيدي الذي انتبه لمعاناتنا ووقف إلى جانبنا، وبفضله بعد الله استعاد العديد من الكوادر الجنوبية الأمل بالعدالة ورفع الظلم عنهم”.
*جهود جبارة من الزبيدي والمحرمي
وكان الرئيس الزبيدي قد تعهد بإنصاف الموظفين الجنوبيين وإعادة حقوقهم.
وعقد الرئيس الزُبيدي العديد من اللقاءات والاجتماعات لمناقشة قضايا الموظفين الجنوبيين العسكريين والمدنيين، قبل أن يصدر المجلس القيادي الرئاسي قراره في 15 مايو 2023م، لتسوية أوضاع الموظفين الجنوبيين الذين تم قطع خدماتهم وإبعادهم قسراً.
ولعب العميد أبو زرعة المحرمي دوراً مهماً في الوقوف إلى جانب الموظفين الجنوبيين ومساعدتهم على استعادة حقوقهم، وبفضل تحركاته إلى جانب الرئيس الزبيدي تمكن أكثر من 34 ألف موظف من استعادة حقوقهم.
* العدد الإجمالي للمشمولين
وشمل قرار معالجة أوضاع المفصولين والمبعدين قسراً في مرحلته الأولى أكثر من 34 ألفاً من العسكريين والأمنيين من القوات المسلحة والداخلية والأمن السياسي والمدنيين، كما سنوضح لاحقاً.
عسكريا وأمنيا:
9008 ضباط الصف والجنود في القوات المسلحة والأمن الداخلي والسياسي.
6460 ضابط صف وأفراد القوات المسلحة
10.514 شخصاً خارج الخدمة في القوات المسلحة والداخلية والأمن السياسي.
4193 شهيد وقتيل من القوات المسلحة والأمن الداخلي والسياسي
وعلى الجانب المدني تمت تسوية أوضاع 4135 محالاً إلى التقاعد المدني المبكر.
9000 مدني و 3200 مدني.
* غير المشمولين في المرحلة الأولى
وقد قام العديد من العسكريين والأمنيين الذين لم تشملهم المرحلة الأولى من التسوية بتسوية أوضاعهم سريعاً، تماماً مثل الذين سبقوهم.
ويتجاوز عدد الذين لم تشملهم المرحلة الأولى من التسوية 20 ألفاً من الذين تم قطعهم وترحيلهم قسراً وينتظرون الآن قرار تعويضهم عن كل سنوات الظلم والحرمان.