العم أحمد نموذج لمعاناة الكثير من كبار السن في اليمن
تقارير خاصة
كتب/د. الخضر عبدالله
يعتقد “العم” أحمد محمود عبده، 70 عاما، أن حياته أصبحت “طبيعية جدا” عندما وصل إلى سن الشيخوخة، وأن مخاوف حياته أصبحت شيئا من الماضي، قبل أن تدق طبول الحرب في اليمن، بحسب ما قاله في حواره مع “عدن الغد”.
ويعتبر العم أحمد قدوة لكثير من كبار السن في اليمن. وهو نازح من قرية الفواحة بمحافظة الحديدة (غرب شمالي اليمن) وأحد المتضررين من الحرب المشؤومة التي حلت باليمن. ينام في أحد طوابق مدينة الشيخ عثمان بالعاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن). فلا ملجأ يؤويه، ولا سرير، ولا غطاء يستره، كما يغطي السماء في هذه المدينة.
وكعادته، يستيقظ باكراً كل صباح، وجسده النحيل يجر عربته الصغيرة ويقف خلفها كل صباح ليبيع البصل الأحمر والبانادورا لزوار هذا السوق.
وقال في حديث لعدن الغد، إنه أب لستة بنات وثلاثة أولاد ويسكن الحديدة في قريته (فواحة)، إلا أن الحرب أجبرت عائلته على ترك منطقتهم، فغادر أطفاله إلى تعز محافظة (شمال اليمن)، ونزح إلى محافظة عدن.
يقول: “فرقت الحرب عائلته التي كانت نواة واحدة تعيش تحت سقف واحد.. ويكافح من أجل الحياة من أجل توفير لقمة العيش لأسرته، يعمل في أعمال شاقة رغم كبر سنه وبأجور قليلة، في البلد الذي يعاني من تداعيات الحرب القاسية منذ نحو تسع سنوات”. وكل الأموال التي يدخرها من العمل يحولها إلى أبنائه النازحين في تعز… بحسب قوله.
مهنة بيع البطل والباندورا
يعمل في بيع البصل الأحمر والبندورة، وهي مهنة متعبة تحتاج إلى جهد بدني شاق وخبرة وتجربة. ويبقى واقفاً طوال ساعات العمل التي تصل إلى 8 ساعات، مقسمة على فترتين صباحية ومسائية، في سوق الخضار والفواكه بالشيخ عثمان. ويكسب ما بين 2000 إلى 3000 ألف ريال يمني في وظيفة يومية غير مناسبة. عمره، لكن دافعه لمحاربة العوز والفقر والجوع يقوي عزيمته.
العمل الجاد والتعب
ويقول بصوت مليئ بالندم إنه كان مختبئا في قريته (فواحة)؛ لكن منذ اندلاع الحرب وهو يعمل بجد وتعب كل يوم، فهذا هو الخيار الوحيد لتوفير الحد الأدنى الذي يلبي احتياجات أسرته النازحة. لا يعرف إجازة ولا راحة، ويوم يعمل لا يكاد يأكل.. ويوم لا يعمل يتحمل جوعه. ومع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في مدينة عدن الساحلية، يسعى للهروب من حرارة الصيف بالاحتماء من أشعة الشمس في أحد مباني السوق الذي يعمل فيه.
من أين نحصل على المال؟
سكت للحظات وشبك العم بين أصابعه وسأل: من أين لنا المال إذا لم نعمل، ومن سيصرف عليك وأنت قاعد في بيتك؟! ويشير إلى أنه كان في حالة أفضل “نسبياً” عندما تلقت أسرته، كل شهر أو شهرين، سلة غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي، والتي بالكاد تكفي أسرته النازحة في تعز. وأشار في الوقت نفسه إلى أنه لم يتلق أي مساعدات مالية أو إغاثية في مدينة عدن.
ويعكس الوضع الذي يعيشه العم أحمد مدى تأثر ملايين اليمنيين بتخفيض الأمم المتحدة دعمها الإغاثي لليمن، في ظل الحرب المدمرة التي دخلت عامها التاسع.
صراع مع الحياة
العم أحمد ليس بأفضل حالاً من العمال الذين يجلسون على بعد أمتار قليلة من المكان الذي يقف فيه. ويقف طابور من العمال على الرصيف (حراج العمال)، كثير منهم من كبار السن، ينتظرون فرصة عمل يومية لإشباع جوعهم وإعالة أسرهم.
ويكافحون من أجل عيش حياة كريمة في ظل الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة التي أفقدت الريال اليمني قيمته وجعلت الكثير من اليمنيين عاطلين عن العمل وتحت خط الفقر المدقع.
العم أحمد نموذج للمعاناة
أثرت آثار الحرب في اليمن على كافة فئات وشرائح المجتمع، بما في ذلك كبار السن، حيث يضطر الكثير منهم إلى العمل في المهن الصعبة لإعالة أسرهم وتأمين مصدر رزقهم اليومي.
ويعاني اليمن من أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يحتاج 80% من السكان إلى المساعدات الإنسانية والحماية، كما أن 10 ملايين شخص على عتبة المجاعة، وسبعة ملايين يعانون من سوء التغذية، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. الأمم المتحدة في أغسطس 2020 ومنتصف يوليو 2020. وحذرت الأمم المتحدة من مجاعة محتملة في اليمن.
وشهد اليمن موجات من النزوح نتيجة الحرب. وعندما اندلع القتال داخل محافظة الحديدة نفسها منتصف عام 2018، وخاصة في مركزها مدينة الحديدة وضواحيها، لجأ العديد من السكان الذين فروا من منازلهم إلى أماكن أخرى في المحافظة. ولم يقتصر النزوح عليهم فقط، إذ نزح آخرون من سكان المحافظة في بعض الأحيان من مناطقهم بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات. وفي مطلع عام 2021، بلغ إجمالي النازحين المحتاجين للمساعدات الإنسانية في الحديدة 425.059 نازحاً، 40% منهم يواجهون ظروفاً “كارثية”.
Discussion about this post