ويشكو غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنويا بسبب التقلبات المناخية وتغير مواسم الأمطار ووفرتها غير المتوقعة التي تسبب تآكل التربة وتدمير الأراضي، مما يضر لاحقا بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تمر خلالها البلاد. يدخل في حالة الجفاف الموسمي.
وفي منتصف الخريف ينتهي موسم زراعة الحبوب في معظم مناطق اليمن، تزامناً مع انخفاض درجات الحرارة وتوقف الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف. يبدأ المزارعون في الحد من إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك. كما يتم تخزين المحاصيل كعلف للماشية التي تعاني من جفاف المراعي وندرة الأعشاب. والأعشاب التي يتغذى عليها.
وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرحة خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، والتي تشهد احتفالات تقليدية تكثر فيها الأغاني والأناشيد، إلا أنهم يمتزجون بشعور بالحزن لأنهم يضطرون إلى انتظار هطول المطر القادم. الموسم لأشهر طويلة، وأملهم في هطول أمطار الشتاء التي تساعدهم على زراعة أنواع أخرى من الحبوب.
ويقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب)، إن فصلي الخريف والشتاء غالبا ما يشهدان تراجعا كبيرا في الإنتاج الزراعي، لكن بعض السنوات قد تشهد أمطارا خفيفة تساعد بعض المزارعين على إنتاج محدود. كميات الحبوب تختلف عن تلك. التي أنتجوها خلال الموسم السابق.
وأوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب قلة خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يتخذون احتياطاتهم ضد مواسم الجفاف من خلال جمع مياه السيول في صهاريج مبنية من الطوب. الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضار، فيما ينتظر البعض الآخر هطول أمطار الشتاء الخفيفة. إنه نادر ويقضي المزارعون الشتاء في انتظاره.
وينتج المزارعون خلال موسم الأمطار في الصيف كافة أنواع البقوليات من الذرة والذرة الرفيعة واللوبيا، بينما يكتفون في الشتاء بالذرة والشعير والعدس والخضروات.
لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة بمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون كارثية على المزارعين، خاصة أصحاب الماشية الذين قد يعانون لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع، وانقطاعهم عن المراعي، الاعتماد على الأعلاف المخزنة.
وأوضح أحمد لـ«الشرق الأوسط» أن أمطار الشتاء تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متواصلة، يصاحبها انتشار الضباب الكثيف، خاصة في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استغلال أراضيهم بشكل جيد، فيما لا تتمكن الماشية من مغادرة مزارعها. الملاجئ بسبب هذه الأمطار.
لكن بعد انقشاع الضباب وتوقف هطول الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي وتعود الأعشاب لتنمو فيها، مما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الحليب ومنتجاته.
وتساهم أمطار الشتاء، رغم ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل، ما يساهم في تغلغلها في طبقات الأرض، بحسب خبراء جيولوجيين، كما يعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.
وانخفضت المساحة التي تشغلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب التي تشهدها البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار، بحسب بعض البيانات والتقديرات من جهات حكومية وأخرى خاضعة لسيطرة لجماعة الحوثي أي أكثر من 56 ألف هكتار. من إجمالي المساحة المزروعة تقدر بمليون و124 ألف هكتار.
ويستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ عادة في منتصف شهر مايو، عندما يتم رمي البذور في التربة، وينتهي في أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر بقطف السنابل، ثم إزالة المحصول.
ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أحوال المزارعين في السنوات الأخيرة متشابهة في كافة الفصول، خاصة مع تغير مواسم الأمطار الصيفية وتغير توقيتها، مما يجعل من الصعب عليهم تحديدها أو التنبؤ بها، بالإضافة إلى والتغير الكبير في كمياته وما يسببه من تآكل التربة وتدمير الأراضي.
ويقول ثابت في توضيحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعانيه المزارعون في الصيف في السنوات الأخيرة يشبه إلى حد كبير ما يعانون منه في الشتاء، إذ يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق الأموال في تسوية الأرض وزراعتها. دفن البذور توقعا للمطر. إلا أن هذه البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تحفر الطيور التربة لتأكلها، مما يدفع البعض إلى دفن بديل لها. أما إذا هطل المطر ولم تنبت البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فمن المستحيل على المزارعين تكرار التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.
أبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى جني السنابل قبل نضجها وتناولها بعد تحميصها أو غليها كوجبات إضافية، فيما يعرف محليا بـ”الجحش”، وهو ما يسبب تدمير جزء كبير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر التالية.
وتابع المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن هذه العادة الموروثة أصبحت هدفاً لغالبية المزارعين، لكن الفرق هو أن المزارعين في الماضي، قبل عشرات وربما مئات السنين، اعتمدوا على “الجيش” كوجبات أساسية. بالإضافة إلى استهلاكهم المحدود له، في الوقت الذي تتوفر لديهم فيه كميات من إنتاج الحبوب تغطي موسم الجفاف.
أما الآن؛ ويكتفي غالبية المزارعين بالحصول على “الجحش” ولا يخزنون إلا كميات قليلة من الحبوب.
Discussion about this post