ويعاني مستخدمو الإنترنت في الجنوب منذ سنوات من سوء الخدمة وارتفاع الأسعار، ناهيك عن الرقابة والتجسس، وهو ما تسبب في الكثير من المضايقات للمستخدمين. ورغم أن الخدمة بدأت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها ظلت مهملة وتفتقر إلى أبسط مقوماتها، إلى جانب احتكار الخدمة من قبل شركة تيليمن، المزود الرئيسي لخدمات الاتصالات والإنترنت في البلاد الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي.
وحتى وقت قريب كانت الشركة توزع الخدمة على المستخدمين عبر كابلات النحاس ADSL وهي تقنية قديمة تم ابتكارها لتوفير خدمة الاتصالات الهاتفية قبل إدخال تقنية DSL وتحويلها إلى نقل بيانات عبر الإنترنت بسرعة لا تتجاوز 4 ميجا بايت، ولاحقاً تم تزويد شركات الهاتف المحمول بالإنترنت وبتقنية ضعيفة جداً، وظلت خدمة إنترنت بيانات الهاتف المحمول حكراً على شركة يمن موبايل وهي شركة مساهمة عامة من القطاعين العام والخاص، حيث كانت الشركة الوحيدة التي تقدم خدمة الجيل الثالث 3G لسنوات طويلة.
وفي عام 2018، أطلقت الحكومة مزوداً جديداً للإنترنت بتقنية الجيل الرابع تحت اسم “عدن نت”، في خطوة تهدف إلى سحب البساط من تحت شركة تيليمن، التي تخضع حالياً لسيطرة مليشيا الحوثي. كما تقدم خدمة الإنترنت بسرعة متوسطة وبأسعار أقل من ذي قبل.
وتفاؤل الكثير من المستخدمين حينها كان كبيرا، إلا أن الواقع خيب آمالهم، إذ لم تتمكن الشركة حتى الآن من التوسع والخروج من العاصمة عدن، إضافة إلى عدم توفر شرائح الخدمة، والتي باتت تباع في الأسواق السوداء بأسعار تتجاوز ثلاثة آلاف ريال سعودي، بحسب ما نقل مواطنون عنهم.
“تنافسية وخدمة سيئة”
وفي وقت لاحق من نفس العام أعلنت شركة الاتصالات اليمنية العمانية (يو) – MTN سابقاً – عن إطلاق خدمة الإنترنت من الجيل الرابع، وتمكنت من دخول السوق بأسعار منافسة جداً، ما أجبر شركة يمن موبايل على تعديل الأسعار إلى نصف المبلغ المحدد سابقاً، لكن الخدمة ظلت سيئة.
وبحلول نهاية عام 2022، تحولت شركة الاتصالات اليمنية في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي إلى نظام الجيل الرابع، بالإضافة إلى أن المؤسسة العامة للاتصالات أنشأت خدمة إنترنت جديدة من خلال تقديم الخدمة عبر أجهزتها الخاصة، مدعومة بشريحة اتصال، وتوفير خدمة الإنترنت بتقنية الجيل الرابع بأسعار أفضل من الشركات الأخرى، إلا أن أسعار تقديم الخدمة كانت كبيرة ومبالغ فيها، بالإضافة إلى أنها لا تزال تعاني من ضعف شديد في الشبكة، ولا تصل إلى كافة المناطق، ما أجبر مستخدمي الإنترنت في الجنوب على المطالبة بالاستقلال عن مركز صنعاء في اليمن لتحسين جودة الإنترنت والإفلات من الرقابة والتنصت على المواطنين والقيادة السياسية والعسكرية.
“مشاكل”
يشكو مستخدمو الإنترنت من العديد من المشاكل المتعلقة بالخدمة وجودتها، حيث يشهد قطاع الاتصالات والإنترنت بشكل عام العديد من الصعوبات والتحديات، بما في ذلك الانقطاعات المتكررة للخدمة، و”ممارسات الاختراق”، والحجب المستمر للمواقع الإلكترونية، وتكلفتها المرتفعة.
“ستارلينك المنقذ”
ومؤخرا تم إدخال خدمة ستارلينك عبر الأقمار الصناعية لتوفير تقنية الاتصالات والإنترنت عبر الأقمار الصناعية بعيدا عن التجسس والخدمة الرديئة ولأسباب أمنية بعيدا عن الرقابة وأيضا لضرب تمويل الحوثيين بالأموال وتقديم خدمة قوية لأن الإنترنت عنصر مهم في الحياة العملية.
وأعلن إيلون ماسك، مالك شركة سبيس إكس، الأربعاء الماضي، إطلاق خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ستارلينك في البلاد، وكانت الحكومة في عدن قد وافقت في وقت سابق على إطلاق الخدمة، وهو ما يمثل تحديا للحوثيين الذين يسيطرون على خدمات الإنترنت في صنعاء باليمن.
وقالت المؤسسة العامة للاتصالات إن هذه الخدمة ستوفر انترنت عالي السرعة وموثوق للمناطق والمدن النائية، الأمر الذي سيعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومن المتوقع أن يؤدي الإطلاق الرسمي إلى خفض سعر أطباق الأقمار الصناعية من 2400 دولار إلى حوالي 600 دولار، مما يؤدي إلى إنهاء السوق السوداء لهذه الأطباق.
وسيتم تفعيل الباقات بشكل فوري، مما يساهم في استقرار الخدمة وسرعتها التي تتراوح بين 50 إلى 250 ميجابايت في الثانية.
“رؤية المحرم”
أشاد نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس الرئاسة القيادي عبدالرحمن المحرمي بتفعيل خدمة الانترنت عبر الأقمار الصناعية ستارلينك، معتبرا إياها خطوة مهمة في تعزيز التنمية والتواصل في البلاد وتوفير خدمة أكثر أمنا.
ورأى أن هذا القرار يعكس التطلع إلى مستقبل مشرق يعمل فيه الجميع معًا لبناء وطن مزدهر متصل بالعالم، مشيدًا بالجهود التي بذلها كل المعنيين لإنجاح هذا المشروع الحيوي.
مؤكدا دعمه الكامل لهذه التحولات الإيجابية التي تخدم مصالح الشعب.
“اخبار جيدة”
وكان مستخدمو الإنترنت في الجنوب متفائلين بشأن تقديم هذه الخدمة، لأنها ستوفر المال والوقت الكافي للعمل بعيداً عن الرقابة والتنصت.
“تحول نوعي يضرب الحوثيين”
ويرى خبراء ومختصون في مجال الإنترنت والاقتصاد أن دخول شركة ستارلينك إلى مجال خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية يعد قفزة نوعية للتقنية الحديثة، وخطوة تشكل ضربة لمليشيا الحوثي التي تسيطر وتراقب خدمات الإنترنت منذ بداية الحرب، وتتحكم في خدماتها التي تقدم للمشتركين خدمات الإنترنت، وتستولي على إيراداتها المالية، حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
مشيراً إلى أن خدمات ستارلينك ستغطي بعض المناطق غير المتصلة بخدمات ADSL، وستوسع رقعة تغطية الإنترنت، دون الحاجة لأي تدخل من شركة الاتصالات المحلية؛ مما سيزيد من نسبة مستخدمي الإنترنت.
وأشاروا إلى التأثيرات الإيجابية لهذه الخدمة والتي ستنعكس على القطاع الخاص وقطاع الأعمال بشكل عام؛ «لأن أسعارها مرتفعة مالياً، لكنها تلبي احتياجات المؤسسات الكبيرة، مثل البنوك والشركات والمؤسسات التي تحتاج إلى الإنترنت بشكل دائم وسريع».
وسيتم خلالها إحياء الأعمال والمشاريع المجمدة، كما سيساهم في تحسين العديد من الخدمات، مثل تحسين مستوى التعليم، وفتح آفاق واسعة للتعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني والتعليم المدمج، وتمهيد الطريق لإطلاق خدمات الرعاية الصحية عبر الإنترنت وتطوير الخدمات الحكومية إلكترونياً.
وسيسمح ذلك للقطاع التجاري بالتخلص من مشاكل البنية التحتية الحكومية المتهالكة، والحصول سريعاً على خدمة إنترنت سريعة ومنخفضة التكلفة.