كتب/ يحيى أحمد
رسالة أبناء حضرموت اليوم كانت واضحة بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية ،تقول في مضمونها أن حضرموت، بامتدادها التاريخي والحضاري والجغرافي، هي العمق الاستراتيجي والثقل الجيوسياسي للجنوب العربي، ولن تكون كما يريد لها البعض ممن يجهلون التاريخ والجغرافيا، وينطلقون من مشاريعهم وأطماعهم الاحتلالية.
في هذه الأجواء المفعمة بالحيوية والنشاط الثوري الجنوبي ، خرج أبناء حضرموت ليحتفلوا بالذكرى 61 لثورة 14 أكتوبر بمليونية رافضة لكل المشاريع المنتقصة والمؤامرات التي تحاول العبث وطمس الحضارة والهوية الجنوبية ، والتي استقرت وتناسلت ووثقت جذورها في أعماق الجغرافيا الجنوبية، وأحالت الزمن إلى أداة تعتيق مستديمة لحضورها الإنساني.
وإذا ما نظرنا إلى السياق التاريخي، فإن حضرموت خاصة، والجنوب عامة، تعرض منذ حرب 94 إلى سياسة خطيرة وخبيثة تمثلت في التغيير الديموغرافي، المتمثل بالإنسان والجغرافيا، حيث سعى إلى تغيير التركيبة السكانية. لم تكتفِ هذه السياسة بتغيير الحياة فقط، بل قامت أيضًا بتغيير أسماء الشوارع والمدارس وغيرها، وقد وصل الأمر إلى أبعد من ذلك، إذ منح النظام السياسي الجهوي نفسه صلاحيات تجريد الحضارم من هويتهم. حاول النظام، متكئًا على نشوة الانتصار، أن يتوهم أنه له الحق في منح الهوية لمن يشاء ونزعها ممن يشاء، ووصلت المعاناة بالمواطن الحضرمي إلى حرمانه من حقوقه المشروعة وطمس هويته في البطاقة الشخصية وجواز السفر، على يد المحتل القادم على ظهر الدبابة. هذه الدبابة كانت تلوح له كمعضلة مؤرقة ستقاوم المآرب السياسية في السيطرة على الجغرافيا، وامتداد السيطرة إلى حقب تاريخية قادمة.
يؤكد أبناء حضرموت في المليونية عدم مشروعية أي تشكيلات عسكرية شمالية أو أي كيانات مفرخة تنتمي سياسيًا لأحزاب متطرفة وذات منشأ يمني، تتجسد بشخصية حضرمية تقوم بمهمة تخدير المجتمع عما يحدث من ترتيب سياسي للسيطرة على الثروة من جهة، وتقويض الهوية الجنوبية والبنية الاجتماعية الضاربة في الجذور من جهة أخرى، بحجة أنهم جميعًا ينتمون إلى اليمن الكبير. يسعى الساسة الوافدون من خلال ذلك إلى ضرب الإطار الرئيس للهوية والخصوصية الثقافية، لفرض التحول السياسي باطنًا، ثم السيطرة وتحويل الأصل إلى ملحق يدخل في أملاك الوافد. تبرز حركة الأدوات التي يتوخى منها تحقيق أهداف الوافد السياسي في ممارسات عديدة على جميع المستويات.
في هذا الاستفتاء، قال الشعب الحضرمي وقواه الحية كلمته الفصل، التي من شأنها تحديد مستقبل هذه المشاريع الهجينة والطارئة، والتي حتمًا ستضعها في مزابل التاريخ بعد أن تكشفت حقيقة عدم وجودها وراعاتها على أرض حضرموت. هذه المشاريع ليست أكثر من مجرد زوبعات سياسية في عقول أصحابها وداعميها، وعلى صفحات السوشيال ميديا، حيث تظهر قدراتهم في نسج الأحلام الطوباوية وصناعة النمور والهياكل والمجسمات السياسية والعسكرية الكرتونية الورقية، التي لا يمكن لها أن تتحول إلى حقائق وأفعال على الأرض كتلك التي تصنعها الجماهير الحضرمية الجنوبية .
قدمت هذه المليونية أحد نماذج الفعل الوطني الجمعي الحضرمي للقوى الثورية الجنوبية الشعبية الحضرمية، والمؤسسات الاجتماعية القبلية والمدنية، والنخب السياسية الحضرمية التي تظهر في مثل هذه المنعطفات التاريخية الحاسمة، ليس فقط بقوة فعلها وقدرتها على إحداث التغيير، ولكن أيضًا على الأرض وفي مستقبل القضية الجنوبية. كما أظهرت بوضوح وحدة وتلاحم النسيج الوطني الحضرمي في إطار النسيج الوطني الجنوبي بشكل عام، بالفعل والمصير المشترك. وقد تجلت هذه الوحدة كالشمس في رابعة النهار، حيث برزت وحدة الإرادة والخيارات المصيرية في مواجهة مخاطر وتحديات المرحلة وتحديد معالم بوصلة التوجهات المستقبلية المشتركة.
تعتبر هذه المليونية انتصارًا للهوية الجنوبية في وجه أطماع المحتل اليمني وأهدافه الاستعمارية الواهمة، وأدواته الاستيطانية التي زرعها داخل النسيج المجتمعي الحضرمي خاصة، والجنوب عامة. هذا الاحتلال فشل وتقهقر أمام قوة الهوية الحضرمية الضاربة في أعماق التاريخ.
من خلال هذه المليونية، أكد أبناء حضرموت عزمهم على المضي قدمًا في ديمومة النضال الوطني الجنوبي حتى استعادة الدولة الفيدرالية الجنوبية المستقلة ، وعلى الرغم من الظروف والأوضاع الوطنية المعاشة بكل ما فيها من تعقيدات ومخاطر وتحديات وحروب متعددة الأشكال والأساليب، تأتي هذه المليونية حاملة معها تباشير النصر الذي انتظره شعبنا طويلًا وضحى في سبيله بالغالي والنفيس.