عدة مقالات حول الأسئلة الكبرى، وأشير هنا على وجه الخصوص إلى مقال “نظرية الحكم الإسلامية” لكي أنتقل إلى عائق في التفكير وهو التصورات والأفكار والمسارات السلبية تحت عنوان المنحدر المنزلق.
نظامك العقلي لا يعمل بالتفكير:
عندما يعيش أغلب الناس في واقعنا بوهم امتلاك الحقيقة أو لا شيء يهم في المقابل، فإنه سيذهب إلى مغالطة اسمها أنف البعير أو المنحدر الزلق، من يؤيدها فهو جيد لأنه مشابه لها وما لديها مثبت فلا تحتاج إلى الشك فيه أو مراجعته، يطلب منها الاحتجاج على الظلم فينزلق السيناريو من رد الفعل السلبي للحكومة على الحرب الأهلية إلى تفكك الدولة.
وعلى هذا المنحدر الزلق فإن التفكر في الآيات يعني تقديم العقل وإهمال النقل والحكم بالهوى ومخالفة السلف الصالح، ومعناه تحريف الدين والردة وغير ذلك، والحقيقة أن المسلم والمسلمة مأموران بالتفكير والتأمل، وأن ما يمتحن في الأرض هو عقله، ومفهوم الحياة والخلق معكوس عند هؤلاء الذين يميلون إلى الطلاسم والغموض التي لا يمكن التعامل معها حتى يكونوا عقلانيين، وقد يقول قائل: لا تفكر وأسلم عقلك، مع أن القرآن لم يذكر العقل بالاسم إطلاقا، فهم يجهلون مفاهيم القرآن ومعانيه ويتبنون أفكارا جاءت من الفلسفة اليونانية دون أن يدركوها، ولأنه عاجز عن تقديم الإجابات يطلب منك عدم التفكير ولا يلاحظ أن ذلك يتعارض مع النص القرآني الذي يدين التقليد ويثني على المفكرين، والآيات كثيرة ولا تحتاج إلى ذكر الأمثلة.
ولا تقتصر السلبيات على فئة دون أخرى، فنجد من خرج إلى الإعلام لفضح الإسلام بتعميم سلوك فئة منحرفة أساءت إلى المسلمين بكل الطرق، فيقدم نفسه إنساناً متحضراً بكل أهوائه التي لا تفوح إلا بالكراهية، ويصف ما ينسب إلى الشريعة، ويرضى أن يصدق أنها همجية وفاحشة، وهذه سلوكيات فردية لا تخلو منها أي فئة أو مجتمع.
ماذا يعني الذهاب على الشريحة:
المشي على الزحليقة يعمق الأفكار السلبية ولا يوفر الإيجابية أو التشجيع على التجديد والابتكار، ويسود التردد بدلاً من إمكانية النجاح، ويدعوك إلى القيام بشيء مقبول بالنسبة لك وليس بالنسبة لنفسك.
1- استخدام النص لتبرير الاستبداد لأنه ينفع الناس، أو دفعك إلى القول بأنه لو لم يكن هذا الوضع موجوداً لجاء الملحدون ومنعوا العبادة والشعائر وغيرها، أو أنه يجب علينا أن نختار بين الفساد والإلحاد، بل من حاد عن هذا فهو من أصحاب الكفر والزندقة والبدعة.
2- هؤلاء يدعون إلى الالتزام بالأخلاق وهم يرعون الانحدار الأخلاقي والمجتمعي ولا يرون أن هذا الأمر يحدث إطلاقا مع أنه واضح للعيان للآخرين.
3- يدعون الناس إلى الاقتصاد، وهم ينفقون في اليوم الواحد ما ينفقه من يدعونهم إلى الاقتصاد في الأشهر، لأن عدم الاقتصاد يؤدي إلى السرقة والقتل وغير ذلك، ويجب عليهم أن يقبلوا ذلك، ويروون أحاديث عن معاناة الرسول والصحابة من الجوع، وهذا غير صحيح لأنه يفتقد إلى منطق الوصاية، فضلا عن أي شيء آخر.
4- إن الانحدار يدعو إلى طاعة الحاكم حتى لو كان فاسداً ظالماً، وكأنه ليس إنساناً ليس له من الفضل إلا طاعة الناس خوفاً من الفتنة والفوضى، بل إن الأحاديث المنسوبة إلى الرسول تخالف مفهوم الخلق والرسالة في تخويف الناس من رفع الظلم، والأحاديث التي تحث على منع الظلم مخفية ومكتومة، مع أنها الأقرب إلى منهج المسلم ورسالة الإسلام التي جاءت للقضاء على الظلم بكل صوره.
5- لا محالة سنرى وصف الواقع في نشر الأثر المتداول لوقوع الظلم وانتشاره وإظهاره وكأنه قدر مقضي، وترسيخ معنى الصبر والتحمل في الخضوع للسلبية والحالة البائسة والاحتجاج عليها يعتبر نوعاً من عدم الصبر، بينما المعنى القرآني للصبر هو الثبات على الحق أو العبادة، وأن الصبر هو المثابرة لأن الفرج مع الإصرار وهناك فرق كبير بين المعنيين.
6- السلبيات لا تقتصر على فئة دون أخرى، فنجد من خرج إلى الإعلام لفضح الإسلام بتعميم سلوك فئة منحرفة أساءت للمسلمين بكل الطرق، فيقدم نفسه إنساناً متحضراً بكل أهوائه التي لا تفوح إلا بالكراهية، ويصف ما ينسب إلى الشريعة، ويرضى أن يصدق أنها همجية وفحش، وهي سلوكيات فردية لا تخلو منها أي فئة أو مجتمع، فتعزل شعبها عن الأمة الكبرى، وهذا غالباً ما ينبع من رد فعل على شعور بالكراهية يتراكم إلى حد الإيمان، مع وضع الحواجز لمنع الرعايا من المغادرة، وتوليد شعور بالفشل والدونية.
7- هناك من وجد أن إثارة الكراهية بين عامة الناس وسيلة للحفاظ على الرعية وخلق حاجز بين أبناء البلد الواحد في عزلة عاطفية كتطرف في النفاق والكراهية، حتى لو شعر بنوع من المشاعر الإيجابية تجاه زميل أو معارف يشعر بالذنب، وهذه الطريقة أضعفت الانتماء وخلقت فرصة للهروب من البيئة عند أول فرصة، ولو اتحد الناس باحترام معتقدات بعضهم البعض لكانت هناك وحدة في تجاوز أي مؤامرة أو حدث دون خسائر مجتمعية، فالناس يتجهون إلى وهم التقارب والغرب ويجدون الغربة في أسلوب الحياة والعادات والتقاليد.
إن كل أنواع التعصب هي انحراف غريزي ومشل عن الإصلاح، ومزرعة لإنتاج الكراهية والفشل تحت ستار النجاح وأكل الذات، عندما يعجز الناس عن انتظار الأحلام ورؤية الأوهام يتم تمجيدها.
8- إن هذا الاضطراب الذي يؤدي إلى التشرذم يعود إلى تفكير المثقفين والباحثين، وليس إلى عقلية وإدراك من توقفوا عن النمو في حل المشكلات، وبدأوا ينقلون فشلهم في الشكوى والتظلم وسد الطرق نحو ابتكار أساليب الفهم، من أجل خلق بيئة مضطربة.
بيئة مضطربة:
إن بيئة التعصب والنزعات الطائفية والعرقية أو الاستقطاب بيئة مضطربة، ليس بسبب تعدد الطوائف والأعراق والأديان، بل بسبب افتراض امتلاك الحقيقة، وأن الجميع يجب أن يكونوا مثل أنفسهم أو يتبعون بعضهم بعضا دون قيد أو شرط. وربما يسود الجهل ويصبح الإلغاء بديلا عن الجهل والإبادة بديلا عن التهميش والاحتواء. هذه البيئة غير صالحة لإقامة حضارة حديثة فعّالة، وربما يعاني عالم اليوم كثيرا من هذه الظاهرة بشكل أو بآخر بسبب غياب فكرة حقيقية وفعّالة لبناء المجتمع والدولة.
الحقيقة أن التعصب بكل أنواعه هو نزعة غريزية معوقة للإصلاح، ومزرعة لإنتاج الكراهية والفشل تحت ستار النجاح وأكل الذات، عندما لا يستطيع الإنسان انتظار الأحلام ورؤية الأوهام تُمجَّد، وهذا غالباً ما يكون في سلطات العام المتخلف حيث يتجلى بوضوح نظام التنمية في التخلف.
إن المنحدر المزلق هنا هو خطأ استخدام العواطف، والتلاعب بالحقائق، وإنتاج الكراهية التي تتطور دائمًا لتخلق كراهية مضادة، وربما ننسى أسبابها الهشة للتحول من الخاص إلى العام، وهذه آفة ضارة بالمجتمع.