لا شك أن أردوغان محق في رؤيته للصراع والخطر القادم من إسرائيل على الدول العربية المجاورة، فهناك مؤشرات عديدة على أن إسرائيل في المرحلة المقبلة، وبعد الانتهاء من غزة، قد تشن حرباً على لبنان وقد تصل شرارتها إلى جنوب سوريا. وفي ظل هيمنة الفكر القومي الديني المتطرف في إسرائيل، لا أحد يستطيع أن يتنبأ كيف ستكون الأمور، وما إذا كانت إسرائيل قد تصر على احتلال أجزاء من سوريا ولبنان بحجة حماية المستوطنات الشمالية والحفاظ على أمن إسرائيل.
وفي كل الأحوال، تسعى إسرائيل إلى وضع تتحكم فيه بالتفاعلات في الجوار وداخل فلسطين. وحتى في مشروعها التطبيعي مع الدول العربية الراغبة في تطبيع العلاقات معها، فإنها ستحاول تعزيز موقفها التفاوضي، استناداً إلى قدرتها على تغيير الواقع في الشرق الأوسط.
ولكن هل يعتقد أردوغان أن دمشق والقاهرة في هذه المرحلة مستعدتان للانخراط في محور معاد لإسرائيل وأميركا، حتى لو وصل التهديد الإسرائيلي بالفعل إلى مستوى يهدد أمنهما؟ ثم إذا كان من الضروري التحرك، وهو أمر افتراضي إلى حد كبير، فهل سيكون بالتعاون مع تركيا؟ وإلى أي مدى تبدو أنقرة مستعدة أصلاً للانخراط في موقف معاد لإسرائيل في المنطقة، بالنظر إلى علاقاتها الأمنية مع حلف شمال الأطلسي، الذي يعتبر حماية إسرائيل واحدة من أهم واجباته في الشرق الأوسط؟
فهل يعتقد أردوغان أن دمشق والقاهرة في هذه المرحلة مستعدتان للانخراط في محور معاد لإسرائيل وأميركا، حتى لو وصل التهديد الإسرائيلي بالفعل إلى مستوى يهدد أمنهما؟ ثم إذا كان التحرك ضرورياً، وهو افتراضي إلى حد كبير، فهل سيكون بالتعاون مع تركيا؟ وإلى أي مدى تبدو أنقرة مستعدة أصلاً للانخراط في موقف معاد لإسرائيل في المنطقة؟
لكن السؤال الأهم هو هل يعتقد حكام المنطقة أن شعوبهم وصلت إلى حد السأم من الدعاية الكاذبة، خاصة وهم يرون الشعب الفلسطيني يذبح على الهواء مباشرة من دون أي سند، باستثناء محاولات الاستثمار السياسي من قبل إيران لتعزيز أوراق قوتها التفاوضية بشأن ملفها النووي، وفرض وجودها في سوريا والعراق كقوة شرعية تدافع عن شعوب المنطقة، بعد أن ذبحت وشردت الملايين من شعوب المشرق العربي!
وكان الأكثر لفتاً للانتباه من دعوة أردوغان هو رد وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد على فكرة إنشاء محور إقليمي لمواجهة إسرائيل، حيث قال إنه “في بداية هذا القرن نسجت علاقات استراتيجية مع تركيا لتكون الدولة التركية إلى جانب سورية في النضال المشترك لتحرير الأراضي العربية المحتلة، لكن تركيا عملت على نشر جيشها في شمال الأراضي السورية وإقامة معسكراتها في احتلال الأراضي العربية السورية”.
وبالعودة إلى الدعاية، لا بد من التذكير بأن العلاقة الطيبة بين تركيا ونظام الأسد استمرت أكثر من عشر سنوات، لم يظهر خلالها الأسد أي دليل على نيته في إعداد البنية التحتية لتحرير الأراضي العربية المحتلة. بل على العكس من ذلك، تدهور جيشه إلى حد كبير وتراجعت قدراته بشكل كبير، سواء من حيث التسليح أو التدريب. والواقع أن الأسد شعر خلال هذه السنوات بأن نظامه أصبح أكثر استقراراً من خلال ضمان صداقة تركيا ورغبة إسرائيل في بقائه. ولأنه نظام “ذكي” وتجاري، فقد عمل على جذب تركيا أكثر إلى جانبه من خلال فتح الأسواق السورية في علاقة اقتصادية غير متوازنة تماماً. وشهدت الفترة نفسها أيضاً اغتيال إسرائيل لقادة من حماس وحزب الله في قلب دمشق (عز الدين الشيخ خليل، 26 سبتمبر/أيلول 2004، وعماد مغنية، 12 فبراير/شباط 2008).
هل يتصور أردوغان أن بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، اللذين يعتبران أعداءهما داخل حدودهما وليس خارجها، يمكن أن يتورطا في حرب مع إسرائيل تؤدي إلى إسقاط حكم الأول وإضعاف الثاني بشكل كبير؟ وهل من الممكن أن تستنفد هذه الأنظمة قوتها في حرب ليست ضمن أولوياتها على الإطلاق ولا تدخل في إطار حساباتها المصالحية؟
إن شعب فلسطين يعرف أكثر من غيره حقيقة كذبة الفؤوس القائمة أو التي يتم استدعاؤها، بينما وصلت الشعوب العربية إلى مرحلة القناعة بأن ليس لها أحد سوى الله.
وحتى لو انتهكت إسرائيل فعلاً القواعد التي تحكم وضع الحدود مع سوريا ومصر، وحتى لو قطعت جنوب سوريا بحجة تشكيل منطقة عازلة، أو عبرت ممر فيلادلفيا بحجة البحث عن قيادات حماس أو تدمير الأنفاق على الجانب الآخر؟
ثم أين الاستعدادات التركية للحرب مع إسرائيل؟ فخلال المجزرة المستمرة في غزة لم تصدر تركيا أي تهديد جدي، حتى إعلاميا، بتحريك قوات أو إرسال سفن عسكرية إلى البحر المتوسط لإخطار إسرائيل بأي تحرك عسكري. أما جهود تركيا للمصالحة مع الأسد فهي في الأصل سبقت الحرب على غزة، ولا يمكن إدراجها في إطار صياغة صيغ أمنية لردع إسرائيل، لأن دوافعها وأسبابها هي التخلص من اللاجئين السوريين وتحسين الاقتصاد التركي إلى حد كبير.
يقولون: إن البصر ليس كالسمع، ولذلك فإن شعب فلسطين يعرف أكثر من غيره حقيقة كذبة الفؤوس، سواء كانت موجودة أو مدعوة. أما الشعوب العربية فقد وصلت إلى مرحلة من الاقتناع بأن ليس لها من ينقذها من هذا الجحيم سوى الله.
Discussion about this post