وفي ظل التحديات الراهنة التي يواجهها الشعب الفلسطيني، أصبح من الضروري تضافر الجهود لبلورة استراتيجية وطنية شاملة ترتكز على تحقيق حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني. وهذه الاستراتيجية التي يجب أن تنطلق من قلب النضال الفلسطيني، يجب أن ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: استمرار المقاومة، وبناء المؤسسات الوطنية القوية، وتكثيف الجهود الدبلوماسية على الساحة الدولية.
إن استمرار المقاومة للاحتلال الإسرائيلي يشكل حجر الزاوية في النضال الفلسطيني، وهذه المقاومة سواء كانت شعبية أو مسلحة ليست مجرد رد فعل على العدوان الإسرائيلي، بل هي في جوهرها فعل سيادة وطنية وتمسك بالحقوق. والشعب الفلسطيني الذي يواجه واحداً من أقسى أشكال الاحتلال الاستيطاني، لابد أن يدعم كل أشكال المقاومة المشروعة التي تتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة. وهذه المقاومة تعكس إصرار الشعب الفلسطيني على تحرير أرضه والتمسك بهويته الوطنية.
إن توحيد الفصائل الفلسطينية تحت راية المقاومة المشتركة أمر حيوي، فالوحدة الوطنية هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الأهداف الوطنية، وعلى الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية أن تدرك أن اختلافاتها الداخلية لا ينبغي أن تشكل عائقاً أمام مقاومة الاحتلال، بل على العكس من ذلك فإن هذه التنوعات يمكن أن تكون مصدر قوة إذا ما تم توظيفها بشكل صحيح لخدمة القضية الفلسطينية.
إن الوحدة الوطنية هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الأهداف الوطنية، وعلى الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية أن تدرك أن اختلافاتها الداخلية لا ينبغي أن تشكل عائقاً أمام مقاومة الاحتلال، بل على العكس من ذلك فإن هذه التنوعات يمكن أن تشكل مصدر قوة إذا ما تم توظيفها بشكل صحيح لخدمة القضية الفلسطينية.
إن بناء المؤسسات الوطنية يشكل خطوة لا غنى عنها لتحقيق الاستقلال والسيادة الفلسطينية، ومن الضروري أن تركز هذه المؤسسات على تقديم الخدمات الأساسية للشعب الفلسطيني وتعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها الاحتلال. ولابد من تعزيز المؤسسات الوطنية في كافة المجالات، بدءاً بالنظام القضائي والتعليم والصحة، وانتهاءً ببناء البنية التحتية القادرة على دعم الاقتصاد الوطني المستقل.
وعلى سبيل المثال، يجب أن يكون النظام القضائي الفلسطيني مستقلاً ونزيهاً لضمان العدالة لجميع المواطنين وحماية حقوقهم في ظل الاحتلال. وفي المقابل، يجب أن يكون التعليم الفلسطيني منارة للتمسك بالهوية الوطنية وتعزيز الوعي بقضايا التحرر الوطني. والتعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكن من خلاله إعداد أجيال جديدة مستنيرة ومؤمنة بحقها في الحرية والاستقلال. وعلى المستوى الاقتصادي، فإن بناء اقتصاد فلسطيني مستقل ومزدهر هو هدف استراتيجي يجب العمل عليه بجدية. فالاقتصاد القوي هو العمود الفقري لأي دولة مستقلة. ومن هذا المنطلق، يجب تعزيز القطاعات الاقتصادية المختلفة، مثل الزراعة والصناعة والتجارة، لضمان الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الوقت نفسه، تشكل الجهود الدبلوماسية ركيزة أساسية في النضال الفلسطيني لاستعادة حقوقه. فقد بدأ النظام الدولي، الذي كان في كثير من الأحيان منحازاً لصالح إسرائيل، يشهد تحولاً في الرأي العام، وخاصة في أوروبا وأميركا اللاتينية، حيث تزايدت الانتقادات لسياسات إسرائيل الاستعمارية.
وتشكل حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) أداة فعّالة في هذا السياق، إذ يمكن استخدامها لممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل لإجبارها على الانصياع للشرعية الدولية. وقد أثبتت هذه الحركة التي انتشرت عالمياً فاعليتها في محاصرة إسرائيل اقتصادياً وسياسياً، الأمر الذي يعزز عزلة الاحتلال على الساحة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز التحالفات الدولية مع الدول التي تتبنى مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، وخاصة تلك الدول الرافضة للسياسات الاستعمارية الإسرائيلية. فالتحالف مع هذه الدول يمكن أن يخلق تكتلاً دولياً قادراً على ممارسة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إسرائيل، الأمر الذي يساهم في تقليص الدعم الدولي للاحتلال.
إن استمرار المقاومة وتصاعد الضغوط الدولية يجعل مستقبل الاحتلال الإسرائيلي غير مؤكد وغير قابل للاستمرار، فرغم تفوق إسرائيل العسكري والاقتصادي الكبير إلا أن هذا التفوق لم ينجح في تحقيق الأمن والاستقرار، بل على العكس من ذلك أدى إلى تفاقم الأزمات الداخلية والتحديات الخارجية.
وعلى الصعيد الداخلي تعاني إسرائيل من أزمة هوية متفاقمة، حيث يواجه المجتمع الإسرائيلي انقسامات عميقة على أسس عرقية ودينية تهدد بتمزيق تماسك هذا المجتمع. وقد أدى الصراع الداخلي حول طبيعة الدولة الإسرائيلية، بين الجماعات المتطرفة العلمانية والدينية، إلى تصاعد التوترات الاجتماعية والسياسية، مما يزيد من ضعف إسرائيل الداخلي. كما أن النمو المستمر للجماعات الدينية المتطرفة، التي تفرض أجندتها على السياسة الإسرائيلية، يساهم في تعميق عزلة إسرائيل الدولية ويجعل من الصعب تحقيق الهدوء في المنطقة. وتسعى هذه الجماعات الدينية المتطرفة إلى إدامة الاحتلال وتعزيز الاستيطان على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، مما يزيد من حدة حالة الصراع ويعقد الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة.
وعلى الصعيد الخارجي تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل نتيجة استمرار انتهاكاتها لحقوق الإنسان وحملات المقاطعة الدولية المتنامية، وبات العالم أكثر وعياً بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وبدأت بعض الدول، حتى تلك التي كانت تعتبر حليفة لإسرائيل، تعيد النظر في سياساتها تجاهها استجابة للضغوط الشعبية وحملات المقاطعة.
إن التحولات في موازين القوى الإقليمية، وخاصة مع صعود قوى إقليمية جديدة وتراجع الدور الأميركي في المنطقة، قد تساهم في تراجع الدعم الدولي لإسرائيل على المدى البعيد. فالولايات المتحدة، التي كانت الداعم الأكبر لإسرائيل لعقود من الزمن، بدأت في إعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة في ضوء التغيرات الجيوسياسية العالمية. وقد يفتح هذا التراجع في الدعم الأميركي لإسرائيل المجال أمام قوى أخرى للعب دور أكبر في دعم القضية الفلسطينية.
إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكن احتلالاً للأرض فحسب، بل كان احتلالاً للعقول والأرواح أيضاً، وقد عانى الشعب الفلسطيني وما زال يعاني من آثار نفسية عميقة نتيجة الاحتلال، وهذا الأثر النفسي واضح في مختلف جوانب الحياة اليومية، حيث يعيش الفلسطينيون تحت ضغط مستمر من سياسات الاحتلال القمعية.
لم يكن الاحتلال الإسرائيلي احتلالاً للأرض فحسب، بل كان احتلالاً للعقول والأرواح أيضاً. وقد عانى الشعب الفلسطيني، ولا يزال، من آثار نفسية عميقة نتيجة الاحتلال. ويظهر هذا الأثر النفسي جلياً في مختلف جوانب الحياة اليومية، حيث يعيش الفلسطينيون تحت ضغط مستمر من سياسات الاحتلال القمعية. وتخلق التجارب اليومية للاحتلال، من هدم المنازل والاعتقالات التعسفية إلى الحواجز العسكرية والإغلاق المستمر للمدن والقرى، حالة من الإحباط والقلق الدائم بين الفلسطينيين. ويؤثر هذا الضغط النفسي بشكل كبير على الصحة النفسية للفلسطينيين، وخاصة الأطفال والشباب الذين يشكلون جزءاً كبيراً من المجتمع الفلسطيني. ورغم هذه التحديات، يظل الشعب الفلسطيني متمسكاً بهويته وثقافته. والهوية الثقافية الفلسطينية عنصر أساسي في النضال الوطني. والفن والأدب والموسيقى والرقص الشعبي كلها وسائل يعبر بها الفلسطينيون عن تمسكهم بأرضهم وحقوقهم. وتمثل هذه الهوية الثقافية جداراً منيعاً ضد محاولات الاحتلال محو الهوية الفلسطينية.
إن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية كبيرة، لكن الشعب الفلسطيني أثبت عبر التاريخ أنه قادر على الصمود والمقاومة في وجه كل محاولات الاستيلاء على حقوقه، ولا بد أن تظل الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية راسخة في أساسها ومرتكزة على مبدأ الوحدة الفلسطينية، وتعزيز المقاومة بكل أشكالها، وبناء المؤسسات الوطنية القوية، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لعزل الاحتلال وإجباره على التراجع. إن الطريق إلى الحرية والاستقلال طويل وشاق، ولكن بمواصلة النضال والإيمان بعدالة القضية يستطيع الشعب الفلسطيني تحقيق أحلامه في إقامة دولته المستقلة على كامل التراب الوطني، والعيش بحرية وكرامة بعيداً عن ظلم الاحتلال.