كانت الزيارة المفاجئة لرئيس الأركان المصري الفريق أحمد خليفة للقوات المتمركزة على الحدود المصرية الفلسطينية الخميس الماضي بمثابة رسالة عسكرية مصرية للجانب الإسرائيلي مفادها أنه غير راضٍ أو مقبول أن يكون هناك قوات إسرائيلية على محور فيلادلفيا، في مخالفة لاتفاقية السلام وملحقاتها. وكان الرد المصري على هذا الانتهاك انتهاكاً مضاداً بإدخال قوات عسكرية مصرية مدججة بالسلاح إلى المنطقة الحدودية “ج”، حيث يحظر الاتفاق نفسه تواجد قوات سوى عدد محدود من حرس الحدود بأسلحة خفيفة لتأمين معبر رفح.
من يتابع الإعلام المصري يسمع قرع طبول الحرب، وتعبئة الرأي العام، من خلال الخطب الرنانة، والأغاني الوطنية المتعلقة بحرب أكتوبر، واستحضار العداء التاريخي مع الصهاينة، وهي نفس وسائل الإعلام التي عارضت بشدة فكرة الحرب في السابق، وعملت على تدجين الرأي العام، وكالّت الإهانات والاتهامات القاسية لمن طالب بموقف مصري قوي ضد العدوان الإسرائيلي الذي امتد إلى الأراضي المصرية مرات عديدة من قبل، والذي سيطر على معبر رفح، ومنع دخوله من مصر، فظلت شاحنات المساعدات متوقفة في العريش ورفح حتى فسد الكثير من محتوياتها.
وكانت الزيارة هي الأولى من نوعها لقيادة الجيش للحدود المصرية الفلسطينية منذ عام 1967، حين احتلت سيناء في تلك الحرب، وظلت كذلك حتى الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد توقيع معاهدة السلام التي قسمت سيناء إلى 3 مناطق (أ، ب، ج)، ولم تكن المنطقة (ج) متاحة لأي جولات تفقدية من قبل كبار القادة العسكريين. وحرص رئيس الأركان على اصطحاب عدد من كبار قادة القوات المسلحة معه خلال زيارته المفاجئة، وتفقد التشكيلات العسكرية ومركز القيادة المسئول عن تأمين شمال سيناء.
وتدخل الجيش المصري متأخرا لتعويض فشل الإدارة السياسية لحرب غزة وملف سد النهضة، فإلى جانب حشد القوات على الحدود المصرية، هناك حشد للقوات إلى الصومال بموجب اتفاقية دفاع مشترك أبرمت مؤخرا.
وتفقد القوات المكلفة بتأمين معبر رفح البري والقواعد الأمنية بمدينة رفح (مصر)، وحرص على إرسال رسالة من هناك مفادها أن “المهمة الأساسية للقوات المسلحة هي الحفاظ على حدود البلاد في كافة الاتجاهات الاستراتيجية، وأن رجال القوات المسلحة قادرون على الدفاع عن حدود البلاد”.
إن الزيارة المفاجئة والضجيج الإعلامي المصري المرافق لها لا يعني أن الحرب ستندلع بالفعل، فكلا الجانبين لا يريد ذلك، وسيتبع سياسة ضبط النفس إلى أقصى حد، كما وضعت مصر قوات خاصة على خط المواجهة مدربة على تحمل الضغوط والاستفزازات، ولكن بعض الحروب تندلع أحياناً بسبب خطأ فردي من هذا الجانب أو ذاك، رغم كل محاولات ضبط النفس.
وكان هدف هذه المظاهرة العسكرية هو الضغط على الجانب الإسرائيلي للانسحاب من محور فيلادلفيا، وهو ما ردت عليه إسرائيل بمواصلة رصف الطرق وأعمال البنية التحتية اللازمة لتواجد قواتها في الممر، وهو ما وصفه قائد عسكري مصري سابق (مدير إدارة الشئون المعنوية بالجيش السابق اللواء سمير فرج) بأنه حرب إعلامية ترسل فيها إسرائيل رسالة إلى أطراف مختلفة بأنها لن تترك المحور!
وهناك تفسير آخر، وهو أن تحريك القوات المصرية ثم تفتيشها على الحدود الفلسطينية جاء بموافقة الإدارة الأميركية، التي تريد استغلال ذلك للضغط على نتنياهو لتليين موقفه في المفاوضات لوقف الحرب في غزة، والتي تقودها واشنطن، التي تريد تسجيل نصر سياسي يثقل كاهل مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية، كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالية. إلا أن تعنت نتنياهو، الذي يريد إطالة أمد الحرب حتى الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يجعل المهمة صعبة على الإدارة الأميركية الحالية.
وتدخل الجيش المصري متأخرا لتعويض فشل الإدارة السياسية لحرب غزة وملف سد النهضة، فإلى جانب حشد القوات على الحدود المصرية، هناك حشد للقوات إلى الصومال بموجب اتفاقية دفاع مشترك أبرمت مؤخرا.
إن حشد القوات المصرية على الحدود، والذي قد يتزايد مع مرور الوقت، قد أعطى الجيش المصري فرصة تاريخية حرمته منها معاهدة السلام للوصول إلى هذه المنطقة (ج)، واستكمال السيادة المصرية على سيناء بالكامل. إلا أن هناك شكوكاً في أن هذه القوات سوف تستمر، حيث أن الأمر سوف يكون رهناً بتطورات المفاوضات السياسية التي أصبحت مصر طرفاً فيها بعد أن كانت مجرد وسيط من قبل.
إن تواجد القوات المصرية مباشرة على الحدود بهذا الثقل النوعي هو الضمانة الأكبر لمنع نتنياهو من تنفيذ خطته لتهجير أهالي غزة إلى سيناء، وهي الفكرة التي لا تزال “تعشش” في رأسه، وربما تجد طريقها إلى التنفيذ من خلال سيطرة قوات الاحتلال على محور فيلادلفي الملاصق للحدود المصرية، ما يمكنها من فتح ثغرات في هذه الحدود لدفع الفلسطينيين إلى الهروب عبرها.
وتدخل الجيش المصري متأخرا لتعويض فشل الإدارة السياسية لحرب غزة وملف سد النهضة، فإلى جانب حشد القوات على الحدود المصرية، هناك حشد للقوات إلى الصومال بموجب اتفاقية دفاع مشترك أبرمت مؤخرا، وبموجبها تحشد مصر 5 آلاف جندي ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، و5 آلاف لدعم القوات المسلحة الصومالية.
المشكلة الجديدة التي تواجه مصر الآن هي دخول اتفاقية عنتيبي لدول حوض النيل مرحلة التنفيذ، بعد أن وقعت عليها جنوب السودان مؤخرا، وهو ما يعني نهاية الاتفاقيات السابقة لتوزيع حصص المياه بين دول المنبع والمصب، ووضع معايير جديدة تؤثر سلبا على مصر. ومن المؤمل أن يساهم الوجود العسكري المصري في الصومال في دفع الحكومة الإثيوبية إلى التوصل إلى تفاهم مع مصر بشأن ضمان تدفق المياه إلى مصر بشكل طبيعي، وبكميات مناسبة، بعد الانتهاء من ملء الخزان، وبدء التشغيل التجريبي.