أدى هجوم صاروخي على ملعب لكرة القدم إلى مقتل 12 طفلاً على الأقل وإصابة أكثر من 30 آخرين في قرية مجدل شمس في مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وحملت إسرائيل حزب الله مسؤولية الهجوم، بينما نفى حزب الله أي تورط له.
ورغم أن ملابسات الاستهداف لم تكن واضحة على وجه التحديد، بسبب غياب أي موقف من جهة مستقلة، استغلت إسرائيل الحادث وبدأت تتحدث عن رد قاس تجاه لبنان وحزب الله. ورغم أن إسرائيل قتلت وجرحت نحو 150 ألف إنسان في غزة، أغلبهم من الأطفال والنساء، فإن السؤال المطروح الآن: هل إسرائيل معنية أخلاقياً بالانتقام ممن قتل هؤلاء الأطفال؟ أم أن دماء هؤلاء الأطفال الأبرياء هي الشرارة التي ستشعل الحرب التي تسعى إليها إسرائيل منذ فترة ضد لبنان؟
في هذا المقال نناقش الوضع القانوني لهضبة الجولان: هل هي أرض محتلة أم أرض إسرائيلية؟ كما نناقش الوضع القانوني لسكان مجدل شمس: هل هم مواطنون أم مقيمون تحت الاحتلال؟ كما نرصد أهم المواقف الدولية بشأن الحادثة، ونتساءل هل يمكن إجراء تحقيق دولي مستقل لتحديد أسباب الحادثة؟
أولاً نذكر أنه في عام 1967 احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة وصحراء سيناء المصرية ومزارع شبعا اللبنانية وتلال كفر شوبا بالإضافة إلى مرتفعات الجولان السورية، وتبلغ مساحة الجولان السوري المحتل حوالي 1800 كيلومتر مربع، ووفقاً لتقديرات حديثة يبلغ عدد سكان مجدل شمس حوالي 12 ألف نسمة.
في هذا المقال نناقش الوضع القانوني لهضبة الجولان: هل هي أرض محتلة أم أرض إسرائيلية؟ كما نناقش الوضع القانوني لسكان مجدل شمس: هل هم مواطنون أم مقيمون تحت الاحتلال؟ كما نرصد أهم المواقف الدولية بشأن الحادثة، ونتساءل هل يمكن إجراء تحقيق دولي مستقل لتحديد أسباب الحادثة؟
وأدانت وزارة الخارجية السورية الهجوم واعتبرته جريمة شنيعة تهدف إلى تصعيد الأوضاع في المنطقة، كما دعت العديد من الدول إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد، وأدانت الهجوم وطالبت بإجراء تحقيقات مستقلة.
أما زعماء الطائفة الدرزية سواء في لبنان أو سوريا أو الجولان المحتل فقد أدانوا الاعتداء على الأطفال في ملعب كرة القدم في مجدل شمس واعتبروه خدعة إسرائيلية لتبرير العدوان على لبنان، ورفض زعماءهم في الجولان استقبال قادة إسرائيليين ومنهم نتنياهو وسموتريتش، وهذه المواقف ليست جديدة فقد عبر سكان الجولان المحتل عن رفضهم للاحتلال بطرق مختلفة.
هل يغير ضم إسرائيل للجولان من وضعه كأرض سورية محتلة؟
ضمت إسرائيل رسميا مرتفعات الجولان في 14 ديسمبر/كانون الأول 1981، بعد أن احتلتها خلال حرب الأيام الستة عام 1967. ولم تعترف دول العالم بهذا الضم، إذ تعتبر الأمم المتحدة الجولان أرضا سورية محتلة.
وقد أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات تطالب إسرائيل بالانسحاب منها، مثل قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967، والقرار رقم 497 لعام 1981 الذي أعلن أن قرار إسرائيل فرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على مرتفعات الجولان باطل ولاغٍ وليس له أي أثر قانوني دولي.
لكن في عام 2019، خلال ولاية الرئيس ترامب، اعترفت الولايات المتحدة رسميا بسيادة إسرائيل على الجولان، وهو ما أثار ردود فعل دولية واسعة، حيث رفضت العديد من الدول هذا الاعتراف وأكدت موقفها بأن الجولان أرض محتلة.
وعلى النقيض من الحجج الواهية التي تسوقها إسرائيل بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارهما أراض غير محتلة، أي أراض تديرها دول ليس لها مصلحة فيها (مصر والأردن)، فإن الجولان هي أرض سورية بحتة.
ووفقاً لاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949 وبروتوكولهما الأول لعام 1977، فإن إسرائيل، كقوة احتلال، تتحمل المسؤولية الكاملة عن ضمان حماية السكان في مرتفعات الجولان أثناء الحرب، وهي ملزمة بتوفير كل وسائل الحماية والأمان، بما في ذلك صافرات الإنذار والملاجئ وغيرها من وسائل الحماية. إلا أن إسرائيل أهملت هذا الالتزام تماماً، مما جعلها مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن مجزرة مجدل شمس.
الوضع القانوني لسكان مجدل شمس:
سكان مجدل شمس، وهم من العرب الدروز، ليسوا مواطنين إسرائيليين بشكل عام. وبعد احتلال إسرائيل للجولان عام 1967 وضمه إليها عام 1981، عرضت إسرائيل على سكان الجولان الجنسية الإسرائيلية، لكن معظمهم رفضوا قبولها.
ولكن بدلاً من ذلك، يتمتع العديد منهم بوضع “الإقامة الدائمة” في إسرائيل، تماماً مثل السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية، وهو ما يمنحهم بعض الحقوق مثل حرية التنقل والعمل، ولكن ليس حقوق المواطنة الكاملة مثل التصويت في الانتخابات الوطنية. ويمكن لسلطات الاحتلال إلغاء إقامتهم الدائمة لمجرد أنهم انتهكوا شروط الإقامة، مما يجعلهم عرضة للترحيل في أي لحظة.
ويرفض سكان مجدل شمس الجنسية الإسرائيلية لأسباب عدة، منها الحفاظ على الهوية الوطنية السورية، كما أن هناك ضغوطاً اجتماعية وسياسية داخل المجتمع الدرزي في الجولان لرفض الجنسية الإسرائيلية، وقد يؤدي قبول الجنسية إلى نبذ الشخص من قبل مجتمعه المحلي.
مواقف مختلفة بشأن حادثة مجدل شمس:
أعربت الأمم المتحدة عن أسفها لمقتل مدنيين في حادثة مجدل شمس، مؤكدة أن هناك اتصالات مع لبنان وإسرائيل لممارسة ضبط النفس وتجنب المزيد من التصعيد. كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار عبر الخط الأزرق، وإلى التزام جميع الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي. وهذا الموقف نموذجي وتقليدي، حيث فقدت الأمم المتحدة الكثير من أدوات نفوذها في الصراع المحتدم في المنطقة، ولم تتمكن من كبح جماح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في غزة.
ودعا الاتحاد الأوروبي إلى إجراء تحقيق دولي في حادثة مجدل شمس، وحث جميع الأطراف على ضبط النفس لتجنب تصعيد التوترات في المنطقة. وشدد جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، على ضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل في الحادث لتحديد المسؤولين عنه، مشددا على أهمية ضبط النفس من جميع الأطراف المعنية. كما أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا أدان فيه الهجوم وأعرب عن قلقه العميق إزاء تصاعد العنف، داعيا إلى الهدوء والحوار لحل النزاعات سلميا.
كان الموقف الأميركي مماثلاً لموقف إسرائيل. فقد أدانت بشدة هجوم حزب الله على مجدل شمس، وأعربت إدارة بايدن عن قلقها البالغ من أن الهجوم قد يؤدي إلى تصعيد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، مما قد يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة. ويتفق مسؤولون استخباراتيون أميركيون مع تقييم الجيش الإسرائيلي بأن الصاروخ الذي ضرب مجدل شمس أطلقه حزب الله، رغم أن حزب الله نفى ذلك بشدة.
إن المواقف تجاه حادثة مجدل شمس لم تكن أكثر من تكرار لأحداث مماثلة، ولا توجد إرادة دولية لممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل لمنعها من الاندفاع نحو الحرب والعدوان على لبنان، أو معالجة أسباب التصعيد المرتبط بالعدوان الدموي على أهل غزة.
وحذرت مصر وفرنسا من توسع الصراع في المنطقة بعد هذه الحادثة، كما أعرب الرئيس الفرنسي ماكرون لنتنياهو عن التزام فرنسا بمنع التصعيد.
أما إيران فحذرت من التداعيات غير المتوقعة لأي مغامرات جديدة قد تقوم بها إسرائيل تجاه لبنان تحت ذريعة حادثة مجدل شمس.
وبشكل عام فإن المواقف تجاه حادثة مجدل شمس لم تكن أكثر من تكرار لأحداث مماثلة، ولا توجد إرادة دولية لممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل لمنعها من الاندفاع نحو الحرب والعدوان على لبنان، أو معالجة أسباب التصعيد المرتبطة بالعدوان الدموي على أهل غزة.
هل يمكن إجراء تحقيق دولي مستقل في الحادثة؟
لقد طالب الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية اللبنانية بإجراء تحقيق مستقل في الحادث: هل كان صاروخاً لحزب الله أم صاروخاً اعتراضياً إسرائيلياً؟ والواقع أن دعوة الاتحاد الأوروبي، على أهميتها، غير عملية، إذ لم تسجل السوابق التاريخية أن تسمح إسرائيل لأي لجنة تحقيق أو حتى بعثة لتقصي الحقائق، سواء كانت دولية أو من دولة محايدة.
ومع إدراك القادة الأوروبيين لهذه الحقيقة، فإن الدعوة تعبر عن أمرين: أولاً: حالة غير مسبوقة من الضعف الدولي، سواء فيما يتصل بهذه الحادثة، أو فيما يتصل بحرب الإبادة على غزة، أو فيما يتصل بالعديد من الحروب التي ارتكبت فيها إسرائيل جرائم مروعة، بما في ذلك في لبنان. وثانياً: التهرب من المسؤولية عن تطور أمني خطير قد يحرق المنطقة بأسرها.
وفي الختام، فإن الجولان يعتبر أرضاً سورية محتلة رغم ضم إسرائيل له عام 1981 واعتراف الولايات المتحدة بهذا الضم عام 2019. ورغم أن جهات دولية طالبت بإجراء تحقيق مستقل في هذه الحادثة، إلا أن إسرائيل لن تسمح بذلك، مما يضعها في موضع الاتهام. إن عدم توفير الحماية اللازمة للسكان (صافرات الإنذار والملاجئ وغيرها) يحمل إسرائيل المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن هذه المجزرة. كما يبدو واضحاً كيف تستغل إسرائيل دماء الأطفال لتبرير هجوم عسكري على لبنان في ظل غياب الإرادة الدولية لوقف الجنون الإسرائيلي.
Discussion about this post