إن سورية اليوم، وربما أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى إدارة عقلانية ومنفتحة. إن البلد الذي خرج من رحم حرب مدمرة ومرهقة على كافة الأصعدة، وعانى من تدخلات خارجية كبيرة، وشهد ولادة العديد من التيارات والتيارات، هو اليوم في حاجة ماسة إلى إدارة توازنات معقدة للغاية. من الحكمة والبصيرة.
ووفقاً لمنطق ديفيد إيستون في تحليله المنهجي الشهير، هناك ضغوط طلب هائلة على النظام السياسي الجديد، وتوقعات داخلية عالية لمدى الحاجة في بلد مزقته الحرب وأنهكتها. الخدمات، وتحسين الوضع المعيشي، وإظهار اتجاهات سياسية جديدة تطمئن الجمهور الذي ضحى بسنوات طويلة هرباً من نظام التهميش والقمع، إلى مكانته ودوره المستقبلي في صنع السياسات ومعرفة الآليات التي ستنظمه. المشاركة في إطار النظام السياسي الناشئ، وكل ذلك بالتزامن مع تلبية الخدمات العاجلة، في ظل الوضع من التأييد الواسع النطاق لهذا النظام، ويأتي هذا الدعم قبل كل شيء من الإيمان بأن أولئك الذين يبرزون على الساحة طليعة الحدث الآن وحتى وإذا بدوا وكأنهم طيف واحد ذو لون أيديولوجي معروف، فهم مثال للمعاناة السورية. ولم يكن عسير قادرا على الولادة إلا بهذه الطريقة.
إن أول ما تحتاجه سورية اليوم وفي المستقبل هو إعادة بناء الوطنية السورية، إذ لا يخفى على أحد أن هذه الوطنية تعرضت على مدى نصف قرن من حكم الأسد للتشويه، وتغيرت معانيها ومضامينها وأسسها. ضائع. كما انهارت البنية الوطنية التي تشكلت خلال المراحل التأسيسية للكيان السوري. وحلت محلها الانتماءات الطائفية والعرقية والقبلية والمناطقية
في المقابل، هناك مطالب خارجية، إقليمية ودولية، تشكل ضغوطاً هائلة على النظام الذي سيتحول إلى نظام سياسي وحكم وآليات سلطوية، إما بقصد المساهمة في صياغة نوع الحكم الذي يريده النظام. ستنتجه المرحلة المقبلة، وهو ما تحرص الأطراف ذات المصالح والرؤى المتضاربة على التوافق معه. مصالحها الأمنية والسياسية، وتتوافق إلى حد كبير مع ترتيباتها على المستوى الإقليمي ورؤيتها للمشهد الجيوسياسي الذي تطمح إليه، والذي سيتأثر بشكل كبير بمخرجات المرحلة. تفاصيل الشؤون الجارية في السياسة والمجتمع والاقتصاد وأطرها الدستورية والقانونية.
وأمام هذه المجموعة الواسعة من المطالب، فإن أول ما تحتاجه سوريا اليوم وفي المستقبل هو إعادة بناء الوطنية السورية، إذ لا يخفى على أحد أن هذه الوطنية تعرضت على مدى نصف قرن من حكم الأسد للتشويه، وضاعت معانيه ومضامينه وأسسه، وأكثر من ذلك انهار البناء الوطني. والتي تشكلت خلال مراحل تأسيس الكيان السوري، وحل محلها انتماءات طائفية وعرقية وعشائرية ومناطقية. إن المرحلة الحالية لاحتواء التحولات السورية على مختلف الأصعدة تتطلب تعزيز أسس القومية السورية. قبل أي شيء آخر، لكن ذلك لن يتم بالآليات المجربة في سوريا وأغلبية دول المنطقة، من خلال الشعارات والأغاني الحماسية وتمجيد القادة السياسيين. هذه الأداة انتهت صلاحيتها منذ عقود، ولا تصلح للعمل في مشهد سوري معقد يصطدم أصلاً بأسئلة مفتوحة حول الحساسيات والانتماءات والمصالح. متضارب.
كما أن هناك طرفاً خارجياً يراقب المشهد بعناية، ويعيد تقييم قراءته للتحولات السورية بعناية. المسألة ليست مجرد إزالة نظام واستبدال نظام آخر مكانه، بل توازنات منهارة، ومنظومة قيم جديدة على وشك أن تتأسس في الفضاء السوري، والتداعيات المحتملة لكل ذلك، خاصة منذ تجربة الربيع العربي التي أفرزت سلسلة من التداعيات غير المتوقعة؛ لقد أثر بشكل كبير على نمط الاستقرار الذي ساد المنطقة طوال عقود، وتضمن معادلات صاغتها النخب الحاكمة في المنطقة، وكلفت موارد وجهوداً هائلة على مدى الحقبة الماضية.
هناك فرص ومخاطر كبيرة تلوح في الأفق أمام اللاعبين الجدد على الساحة السورية، ستتحدد من خلال كيفية إدارتهم للمشهد وقدرتهم على مراعاة الحساسيات المختلفة لسد الذرائع وتعزيز نقاط الضعف، على المستوى المحلي والخارجي. المستويات الخارجية. وهنا لا بد من التحذير من الاضطرابات السياسية، واللعب على الحبال، والانسياق لعقلية التاجر السوري، والاتباع… سياسات شفافة وواضحة تعزز الاحتضان الشعبي لهم ولكل الفسيفساء السورية، والابتعاد عن سياسات التهميش والبلطجة. طرف ضد آخر
في الداخل والخارج لن ينتظروا طويلاً ليروا كيف ستسير الأمور في دمشق. فالوضع في نظرهم رخو وقيد التشكل وقابل للتأثر، قبل أن يصبح صلبا ويصعب التأثير أو تغيير بعض أجزائه. هناك نخب قديمة حكمت في سوريا، عازمة على الاعتزال والتخلي عن مصالحها التي لا يمكن أخذها بعين الاعتبار في العصر الجديد، لأنها تأسست في معظمها على منطق وآليات لم يعد من الممكن قبولها. وإلا فإننا لن نواجه إعادة إنتاج المشهد القديم فحسب، بل سنواجه أيضًا التخلي عن مطالب قطاعات أوسع. وفي المجتمع الذي شكل الرافعات الأساسية لهذا التحول وفقدان مصالحها، فإن هذه القطاعات أصبحت، من خلال تجربتها الطويلة في الثورة، أكثر وعياً سياسياً وقدرة على إنتاج أنماط الاعتراض والمقاومة إذا لم تتحقق توقعاتها. التقى.
كما أن الأجواء الإقليمية والدولية لن تكون لطيفة مع من يصل إلى السلطة في سوريا، انطلاقاً من حقيقة موقع سوريا المركزي في المنطقة، وتأثيرها على المشهد الجيوسياسي العام، وانعكاسها على أوزان اللاعبين الإقليميين، باعتبار أن سوريا في نظر غالبية اللاعبين الدوليين هي لقمة كبيرة للاعب أو لاعبين، وبالتالي يجب أن تكون حصصها متساوية بينهما، إذ إن معظم الأطراف لديها استثمارات، بشكل أو بآخر، كانت بنيت في العقد الماضي، ولن يقبل بها أي طرف التخلي عن حصتها.
وفي ضوء ذلك، فإن هناك فرصاً ومخاطر كبيرة تلوح في الأفق أمام الأطراف الجديدة في المشهد السوري، ستحددها كيفية إدارتهم للمشهد وقدرتهم على مراعاة الحساسيات المختلفة لسد الذرائع وتعزيز نقاط الضعف. ، على المستويين المحلي والخارجي. وهنا لا بد من التحذير من الاضطرابات السياسية، واللعب على الحبال، والاتباع بعقلية التاجر السوري، وبدل ذلك يتضمن اتباع سياسات شفافة وواضحة تعزز الاحتضان الشعبي لهم ولكل الفسيفساء السورية، والابتعاد عن السياسات. التهميش والدعم من طرف ضد آخر، وعليهم أن يدركوا أن الثورات المضادة تقف على الباب باعتبارها الاحتمال الأرجح الذي يمكن تفعيله في مواجهتهم.