القيادة الوطنية ومشروع التحرر لم تصاب كما أصيب الشعب الفلسطيني بقيادته وتحديدا بقيادة محمود عباس، والسلطة (بمسميات وطنية) لم تخدم الاحتلال والاستعمار الذي استقر على صدور شعبها كما خدمتها سلطة رام الله.
لقد وصل الدور الوظيفي لسلطة رام الله إلى درجة غير مسبوقة من الازدراء والغضب الشعبي. هناك أغلبية فلسطينية ساحقة أو شبه إجماع على سحب الثقة من عباس وضرورة استقالته (90% من سكان الضفة الغربية التي يحكمها عباس يريدون استقالته)، وهناك أغلبية فلسطينية لديها أسقطت يدها. من طريق التسوية بل ويؤيد حل السلطة.
السلطة هذه الأيام وعلى طريقة “إذا لم تستح فاصنع ما شئت” تنفذ أجندة إسرائيلية أمريكية بامتياز من خلال محاولة إخضاع مخيم جنين لمعايير الاحتلال، وتنفيذ ما يفعله الاحتلال ولم يتمكن في السنوات الماضية من تنفيذ القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وإعادة جنين إلى «الحظيرة». “.
طوفان الأقصى والواقع الذي فرضه أدى إلى تأخير التنفيذ في انتظار تحسن الأوضاع، لكن طول المعركة، وفوز ترامب بالرئاسة الأميركية، واقتراب توليه السلطة، دفع سلطة رام الله إلى تقديم «أوراق اعتمادها». باعتبارها «جديرة بالثقة الأميركية»، ويمكن الاعتماد عليها لإخضاع الشعب الفلسطيني.
وأصدر عباس أوامره الصارمة لقادته الأمنيين ببدء عملية السيطرة على جنين ومخيمها، وأبلغهم أنه سيتم فصل كل من يخالف الأوامر. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلا صوتيا لأحد رجال أمن الهيئة يتحدث بإحدى اللغات العامية، يتضمن محتوى أنه بناء على تعليمات “السيد. من المعسكر. واللافت في التسجيل هو إشارته أو اعترافه بأن الانسحاب دون تحقيق الهدف يعني نهاية السلطة!! ولعل هذا ما كان يلمح إليه الإسرائيليون والأميركيون لسلطة رام الله.
وأدى التصعيد الأمني للسلطة إلى سقوط ضحايا من الجانبين، وإلى حالة من التوتر الشعبي الواسع ضد السلطة. وحتى بين كثير من موظفي الأجهزة الأمنية، لم يكن هناك أي منطق فيما تفعله السلطة، رغم انتمائهم إليها وانسجامهم مع خطها السياسي والأمني العام. وأفادت مصادر تابعة للمقاومة، بتسريبات، أن السلطة اعتقلت 237 من جنودها، الذين رفضوا المشاركة في عملية جنين (لم تؤكد مصادر أخرى الخبر).
* * *
وتعود الخطة التي تنفذها سلطة رام الله في جنين ومخيمها إلى قمة العقبة التي عقدت في 26 شباط/فبراير 2023، والتي جمعت سلطة رام الله والاحتلال الإسرائيلي والأردن ومصر والولايات المتحدة ومؤتمر شرم الشيخ. -قمة الشيخ في 19 مارس 2023 والتي جمعت نفس الأحزاب. ودار الحديث حول خطة أمنية أميركية يشرف عليها الجنرال الأميركي مايكل فينزل، تقترح تدريب نحو خمسة آلاف عنصر أمني فلسطيني في الأردن تحت إشراف أميركي، وسيتم استخدامهم للسيطرة على جنين ونابلس.
ويبدو أن تنفيذ الخطة تأجل ربما لحين تدريب العناصر المطلوبة، لكن يبدو أن فيضان الأقصى والواقع الذي فرضه أدى إلى تأخير التنفيذ بانتظار ظروف أفضل. لكن طول المعركة، وفوز ترامب بالرئاسة الأميركية، واقتراب توليه السلطة، دفع سلطة رام الله إلى تقديم «أوراق». واعتمادها على أنها “جديرة بالثقة الأمريكية” ويمكن الاعتماد عليها لإخضاع الشعب الفلسطيني.
* * *
بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، فإن الدور الأمني الوظيفي هو المبرر الأساسي لوجود السلطة الفلسطينية. وبحسب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق يائير لابيد، عندما كان في منصبه (سبتمبر 2021)، فإن «90 بالمئة من العلاقة مع السلطة مرتبطة بالتنسيق الأمني»، وهي عبارة تعبر عن القطاع السياسي والأمني والعسكري الإسرائيلي الأوسع. . وإذا كان لابيد يمثل دولة “الوسط” الإسرائيلي؛ ولكم أن تتخيلوا مواقف اليمين المتطرف بقيادة الليكود أو الصهيونية الدينية بقيادة سموتريش وبن جفير. وهي مواقف تتجه إما إلى تحويل سلطة رام الله إلى دولة «حدية»، أي دولة «التشغيل الكامل»، أو تفكيك السلطة نفسها إلى ستة أو سبعة كانتونات في الضفة الغربية، تلعب دوراً أمنياً مفتوحاً ومباشراً. أدوار في خدمة الاحتلال.
إن السلطة الفلسطينية في رام الله، التي فقدت بوصلتها وفقدت الإحساس بالمسؤولية الوطنية، فشلت في قراءة تداعيات معركة فيضانات الأقصى، وفشلت في التعامل بالحد الأدنى مع الوحشية والمجازر البشعة والدمار والتجويع التي شهدتها. يطلق الاحتلال العنان لكل أشكال كراهيته وعنصريته ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويقمع مظاهر الدعم الشعبي الفلسطيني في الضفة لغزة وللمقاومة، ويتجاهل مشاعر ومواقف الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. الناس الذين يدعمون المقاومة وترفض مسار أوسلو والتنسيق الأمني وتطالب باستقالة عباس.
ويبدو أن قيادة السلطة تريد إنهاء مسارها (انسجاما مع تاريخها في السنوات الأخيرة) من خلال إصرارها على الانتقاص من نفسها والاعتماد على حساباتها الشخصية وخلافاتها الفئوية، فهي تعتبر أسوأ قيادة لشعب في دولة. للتحرر الوطني.
سلطة رام الله ترى بأم عينيها كيف يقوم الاحتلال الإسرائيلي بتقويض سلطتها بشكل ممنهج ومصادرة أراضيها ومقدساتها وتهويدها، وكيف تعلن قيادات الحكومة الفارغة انتهاء عملية أوسلو وإسقاط جعب الدولة الفلسطينية والرغبة ضم الضفة الغربية أو معظمها. وهي تنسق مع الأميركيين حتى يسمح الإسرائيليون بذلك. من خلال تزويد الأسلحة الأميركية لقمع المقاومة في جنين، حتى أن السلطات ترى في ذلك (بحسب أكسيوس) “لحظة حاسمة” بالنسبة لها. وكأن السلطة تطارد الزمن لتبرير وجودها مع الاحتلال، وربما مع ترامب القادم، الذي يخشى أن يتبنى خلال الأيام المقبلة وجهة النظر الإسرائيلية “المتطرفة” بضم المنطقة C التي تشكل 60 منطقة. بالمائة من مساحة الضفة الغربية، مما يسدل الستار على تجربة السلطة. خاصة أن ترامب نفسه لا يهتم باتفاقات أوسلو أو بعملية التسوية.
وكان يفترض، انسجاماً مع الموقف الشعبي الفلسطيني وموقف معظم الفصائل والقوى الفلسطينية، أن السلطة لن تمارس المزيد من التسول والمزيد من الخدمات للعدو، وبالتالي تجرد نفسها تماماً من دورها الوطني، وتنهي عملياً دورها الوطني. مبرر الوجود مع الفلسطينيين. بل ما دامت هي نفسها وكل ديالكتيك وجودها مستهدفة، كان لا بد من تقويتها بشعبها، وتقويتها بمقاومته، وتعزيزها بالوحدة الوطنية، وتعزيز الصف الفلسطيني… خاصة مع عدو لا يفهم إلا لغة القوة.
لكن يبدو أن قيادة السلطة تريد إنهاء رحلتها (انسجاماً مع تاريخها في السنوات الأخيرة) بإصرارها على التقليل من نفسها، والاعتماد على حساباتها الشخصية وخلافاتها الفئوية، فهي تعتبر أسوأ قيادة لمنظومة. الناس في حالة تحرر وطني.