شهدت دول منطقة الساحل الإفريقي خلال عام 2024 أحداثا وتطورات متسارعة، حيث أصبحت هذه الدول ساحة صراع دولي بين روسيا والغرب.
وتشهد غالبية دول منطقة الساحل حالة من عدم الاستقرار، فيما يواصل العسكريون المسيطرون على السلطة في هذه الدول معارك على جبهات متعددة، بما في ذلك مواجهة الجماعات المسلحة في المنطقة، وتقليم أظافر الغرب، وخاصة فرنسا السابقة. المستعمر لدول المنطقة، ومواجهة قرارات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وتدهورت العلاقات الأوروبية مع دول الساحل بعد موجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها هذه الدول منذ عام 2020، وتصاعدت التوترات أكثر منذ أن دعت حكومة مالي مقاتلين من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة لدعمها في قتال المتمردين الأزواد.
إنهاء الوجود العسكري
شهد عام 2024 نهاية الوجود العسكري الغربي في منطقة الساحل الأفريقي، حيث أنهت أربع من دول الساحل اتفاقيات مختلفة تتعلق بالوجود الغربي وأغلقت القواعد العسكرية الفرنسية والألمانية والغربية بشكل عام.
وبدأت نهاية الوجود الغربي مع مالي التي ألغت كافة الاتفاقيات العسكرية مع الغرب ودعت القوات الفرنسية والألمانية إلى مغادرة أراضيها.
وقبل بضعة أشهر، أكملت فرنسا انسحابها من مالي وأغلقت قواعدها العسكرية في هذا البلد، تلتها ألمانيا التي سحبت قواتها أيضا وغادرت الأراضي المالية.
من جانبها، أعلنت النيجر وبوركينا فاسو انتهاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، حيث من المقرر أن يغادر آخر الجنود الفرنسيين المنتشرين في النيجر نهاية ديسمبر الجاري.
بدوره، أعلن الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي عزمه إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في السنغال، انطلاقا من مبدأ السيادة أيضا.
أما تشاد فقد حددت يوم 31 ديسمبر المقبل موعدا لخروج آخر جندي فرنسي من أراضيها.
وبدأت فرنسا بالفعل في نقل نحو ألفي جندي فرنسي ومعدات عسكرية إلى خارج تشاد، فيما أعلنت وزارة الخارجية التشادية أن فرنسا نقلت بالفعل قواتها الجوية وأن المقاتلات الفرنسية غادرت الأراضي التشادية بالكامل.
عرض الأخبار ذات الصلة
ويرى مراقبون أن هذه التحركات تعكس تزايد الضغوط على فرنسا في المنطقة بعد سلسلة الانقلابات العسكرية في دول الساحل، وتثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين فرنسا ودول الساحل.
الأزمة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تتفاقم
وصلت الأزمة بين دول الساحل الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى ذروتها في العام 2024، عندما قررت دول الساحل رسميًا مغادرة الإيكواس وأعلنت عن تحالف جديد بينها.
أمهلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) مالي وبوركينا فاسو والنيجر 6 أشهر لإعادة النظر في قرارها بالانسحاب من المنظمة، لكن الدول الأربع أكدت أن قرارها بالخروج من الإيكواس لا رجعة فيه، متهمة هذه المنظمة الواقعة في غرب أفريقيا بمحاولة لابتزازهم والضغط عليهم. معتبراً إياها أداة يستخدمها “الفرس القوة الاستعمارية السابقة لهذه الدول الثلاث”.
منطقة خالية من التأشيرة
أعلنت دول الساحل الأربع، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نفسها “منطقة بدون تأشيرة لأي مواطن من الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”، مضيفة أن مواطني دول “إيكواس” لهم الحق في “الدخول والتحرك والإقامة والخروج من أراضي الدول الأعضاء في تحالف الساحل وفقا للنصوص المعمول بها.
وذكر بيان للدول الأربع أن القرارات تأتي أيضا “تحقيقا لأهداف ومثل ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي”، و”استرشادا بروح الأخوة والتضامن والصداقة، و”الالتزام بتعزيز العلاقات المستمرة منذ قرون بين شعوب أفريقيا”.
معارك على حدود الجزائر
شكلت المعارك العنيفة التي اندلعت على الحدود الجزائرية المالية خلال الأشهر الماضية، أبرز الأحداث التي شغلت الرأي العام في منطقة الساحل.
وشهدت الحدود الجزائرية المالية، في مايو الماضي، اشتباكات عنيفة بين الجيش المالي مدعما بقوات فاغنر، وحركات الطوارق الأزوادية المسلحة.
ووقعت المواجهة بشكل خاص في منطقة تنزاواتن الواقعة على بعد 233 كيلومترا شمال شرق كيدال على الحدود مع الجزائر، وأسفرت عن مقتل العشرات من مقاتلي الطوارق والجيش المالي.
وأثارت الهجمات التي شنها الجيش المالي، مسنودا بجماعة فاغنر، ضد المسلحين الأزواديين قرب الحدود مع الجزائر، استياء السلطات الجزائرية.
وفي أغسطس الماضي، دعا مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة إلى وضع حد لهذه “الانتهاكات” وفرض عقوبات على المتورطين في الهجمات قرب حدود الجزائر، الأمر الذي أثار غضب باماكو التي وصفت تصريحات المسؤول الجزائري بـ”الدعاية غير الصحيحة”.
ومع بداية العام 2024، فقدت الجماعات الانفصالية المسلحة السيطرة على عدة مناطق شمال مالي بعد هجوم شنه الجيش، توج بسيطرته على مدينة كيدال معقل الحركات الأزوادية.
وفي إطار التوتر بين مالي والجزائر، استدعت الحكومة المالية السفير الجزائري لديها في ديسمبر الماضي. احتجاجا على ما وصفته بـ”التصرفات غير الودية” وتدخل الجزائر في شؤون مالي.
عرض الأخبار ذات الصلة
وجاء استدعاء السفير بعد لقاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع الإمام محمود ديكو المعارض لسيطرة الجيش على السلطة في مالي.
وأكد وزير الخارجية الجزائري آنذاك تمسك بلاده بمبادئ تعزيز السلام والأمن في مالي، وشدد على أهمية الحوار الوطني وتحقيق المصالحة لضمان استقرار البلاد.
انهيار اتفاق السلام
كما شهد عام 2024 انهيار اتفاق السلام الموقع عام 2015 بين الحكومة المالية والمتمردين الانفصاليين الطوارق، في خطوة زادت من حالة عدم الاستقرار في البلاد.
ونص الاتفاق على عدد من القضايا، بما في ذلك دمج المتمردين السابقين في الجيش المالي، فضلا عن توفير درجة أكبر من الحكم الذاتي لمناطق شمال مالي.
ووضع اتفاق الجزائر حدا للمعارك التي اندلعت عام 2012، بعد إعلان الحركات الأزوادية استقلالها وانفصالها عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي.
انتخابات تشاد والتصعيد السياسي في مالي
كما شهد العام 2024 انتخابات رئاسية في تشاد، فاز فيها محمد إدريس ديبي في الجولة الأولى بنسبة 61 بالمئة من الأصوات، فيما وصفتها المعارضة بالمزورة، حيث قال مرشح المعارضة الرئيسي سوكسيه ماسرا، إن الانتخابات “تمت”. مسروقة.”
وبينما عاد الهدوء إلى تشاد بعد رفض حركة المعارضة نتائج الانتخابات الرئاسية، اندلعت أزمة سياسية جديدة في مالي بعد أن أقال الرئيس المالي الانتقالي عاصمي غويتا في 20 تشرين الثاني/نوفمبر رئيس الوزراء شوغيل كوكالا مايغا الذي انتقد مؤخراً التمديد. من الفترة الانتقالية.
وتأتي إقالة مايغا، الذي يشغل المنصب منذ 2021، بعد أيام من انتقاده العلني للمجلس العسكري، والذي أعرب فيه عن أسفه لإبعاده عن صنع القرار، وتحدث عن حالة عدم اليقين التي تحيط بالفترة الانتقالية الحالية.
أغرقت إقالة رئيس الحكومة المالية البلاد في أزمة سياسية جديدة، حيث شهدت العديد من المدن المالية تظاهرات حاشدة، بعضها رفض إقالته والبعض الآخر أيد قرار الحاكم العسكري بشأن الإقالة.
معارك ضارية في بحيرة تشاد
ودعت دول الساحل عام 2024 بمعارك ضارية بين الجيش التشادي ومقاتلي بوكو حرام، في منطقة بحيرة تشاد.
عرض الأخبار ذات الصلة
وأسفرت هذه المواجهات عن مقتل 96 عنصرا من جماعة بوكو حرام، فيما أكد الجيش التشادي مقتل 15 من جنوده وإصابة آخرين في المعارك الضارية مع بوكو حرام.
وتعرضت تشاد خلال الأشهر الأخيرة لهجمات من جماعة بوكو حرام، حيث شن مقاتلو الجماعة هجوما أواخر أكتوبر الماضي على قاعدة عسكرية في منطقة بحيرة تشاد، ما أسفر عن مقتل نحو 40 شخصا، بحسب السلطات المحلية.
ويرى مراقبون أن عام 2025 سيكون أيضا حافلا بالتطورات والأحداث في الساحل الأفريقي، في ظل الاهتمام الروسي المتزايد بالمنطقة، والخطر الذي تشعر به أوروبا، التي تخشى تمدد روسيا أكثر في القارة الأفريقية، معقل فرنسا.