إن إدارة جو بايدن التي ستغادر قريباً، تعيش حالة من الفوضى. وبعد انتهاج سياسة تقديم كل الدعم اللازم، شاركت دولة الاحتلال أهداف حربها وتحملت الأعباء والخسائر والفشل والعزلة التي فرضتها على الولايات المتحدة. إنها تحاول استثمار الوقت المتبقي لها للفوز من خلال الادعاء بأنها المالك. الفضل في إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب.
لا بد أنها أثارت ورقة خطيرة في وجه بنيامين نتنياهو لم تخطر على بال الأخير الذي فضل مواصلة الحرب العدوانية على قطاع غزة إلى ما بعد دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وتتفاقم أزمة نتنياهو مع اتفاق بايدن وترامب على ضرورة إتمام الصفقة ووقف الحرب، التي حدد لها ترامب حدا زمنيا لا يتجاوز العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل.
وتذكرنا الورقة التي رفعها بايدن في وجه نتنياهو بما فعله الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما عندما امتنع مندوب أمريكا في مجلس الأمن عن التصويت على قرار عدم الشرعية وضرورة وقف الاستيطان، وهو ما سمح بتمرير القرار في خطوة غير مسبوقة. سابقة.
بايدن يرفع ورقة تمرير الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن، ربما بنفس الطريقة، حيث ثبت أن نتنياهو هو المسؤول عن عرقلة التوصل إلى صفقة التبادل.
أيام قليلة صعبة تواجه نتنياهو الذي قد يقع في فخ بايدن، وربما إذا تغلب عليه قد لا يتمكن من التغلب على مصير ترامب.
كل المصادر، بما فيها الإسرائيلية، تتحدث عن أن حركة حماس أبدت مرونة كبيرة، وأنها جاهزة بشهادة الوسطاء، بل وتتحدث عن إمكانية توقيع الصفقة قبل نهاية العام الجاري.
وأمريكا تعلم أن نتنياهو هو من يمثل العائق أمام التقدم نحو إتمام الصفقة، وأنه يختلق المزيد من التفاصيل والشروط لتأخيرها، وهو يستغل كل دقيقة لتنفيذ “خطة الجنرالات” شمال القطاع. وأن يدفعوا للفلسطينيين أعلى ثمن ممكن قبل التوقف القسري.
إلا أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تحتوي على اعترافات متناقضة، فهو يكرر رفض بلاده لاحتلال الدولة العبرية لقطاع غزة، وكان بإمكان إدارته منع ذلك، وإجبارها على وقف الإبادة الجماعية و المجاعة التي حلت بها وأميركا مخاطر وخسائر كبيرة. استراتيجية.
وحين يقول بلينكن إن احتلال قطاع غزة سيؤدي إلى استمرار حماس في القتال، فهو يعترف بفشل دولة الاحتلال في سحق المقاومة وإنهاء حكم حماس، كما جاء في تصريح سابق أعلن فيه أن دولة الاحتلال تمكنت من إنهاء مقاومة حماس وحكمها.
إنه اعتراف بالفشل، ومحاولة لبيع نتنياهو وهم تحقيق النصر، وأن استمرار الحرب واحتلال قطاع غزة إلى أجل غير مسمى لا يخدم مصلحة دولة الاحتلال.
ومن الواضح أن نتنياهو يحاول، قبل إغلاق ملف قطاع غزة، فتح المجال أمام إمكانية مواصلة حربه العدوانية في مناطق أخرى، وإذا لم تتوفر الذرائع فهو قادر على افتعالها.
وفي طريق فتح الجبهة الإيرانية، صعّدت دولة الاحتلال هجماتها على اليمن، حيث ألقت عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية أكثر من 60 قنبلة على منشآت مدنية وعسكرية يمنية.
بالتزامن، استهدفت الطائرات الحربية الأمريكية منشآت يمنية، استكمالاً لما قامت به الطائرات الحربية الإسرائيلية، ومصادر أمريكية تتحدث عن استمرار العمل وتجنيد أطراف أخرى للمشاركة.
وتتحدث دولة الاحتلال الرسمية عن التنسيق مع أمريكا لمواصلة استهداف المنشآت العسكرية والأمنية الحيوية في اليمن، بما يعادل فتح جبهة حرب جديدة على عكس ما حدث خلال الأشهر السابقة من الحرب.
وقد خلق هذا العدوان الذي يتجه نحو التصعيد حالة من ردود الفعل القوية والعنيدة لدى اليمنيين الذين أكدوا ثباتهم على موقفهم الداعم للشعب الفلسطيني ومقاومته، وتزامنا مع وصول طائرات العدوان إلى اليمن، أطلق “الحوثيون” صاروخاً على مدينة يافا. ولم تتمكن كافة أنواع الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اعتراضه، بالإضافة إلى العديد من المسيرات التي وصلت إلى أهدافها.
العدوان الإسرائيلي الذي تعرض له اليمن يحمل أكثر من رسالة. وهو يحمل معنى «بروفة» لما قد تتعرض له إيران، ومحاولة لرفع معنويات الإسرائيليين الذين تزعم حكومتهم الفاشية أن يد جيشها قادرة على الوصول إلى أبعد الأماكن دفاعاً عنهم.
إلى ذلك، يأمل نتنياهو في مواصلة توجيه الضربات الموجعة إلى اليمن، لاستكمال فصل الجبهات بعد أن نجح في لبنان وسوريا.
وإذا كان هذا الهدف واقعياً، فإن الجبهة اليمنية ستشهد تصعيداً كبيراً في الأيام المقبلة، وأكثر مع اقتراب صفقة التبادل، بحيث لا توجد فجوة بين وقف الحرب العدوانية على غزة وضرورة استمرارها في المنطقة.
وهذا يعني أيضاً أن هناك ما هو أبعد من اليمن، على الطريق إلى إيران، فهو هدف نتنياهو النهائي، وهو ما قد يدفع نحو تأجيج الصراع مع المقاومة في العراق.
والإدارتان الأميركيتان، الراحلة والقادمة، إذا ركزتا على وقف الحرب العدوانية على قطاع غزة، لم تريان أي ضرر في التصعيد، مع اليمن أو العراق، أو حتى مع إيران.
يحتاج ترامب إلى ذلك، فكلما اشتعلت الحرائق في المنطقة، سيكون إنجازه بوقف وإطفاء تلك الحرائق أكثر أهمية واستثماراً أكبر، لوقف الحروب كما يريد ترامب أثماناً يجب أن يدفعها أحد، والمرشح في هذا الحالة هي العرب الذين قد تتعرض مصالحهم لأضرار جسيمة. في حال تصاعد الحرب ضدها من قبل قوة الاحتلال وأمريكا.
ولذلك من المرجح أن تشهد المنطقة تطورات خطيرة خلال الشهر المتبقي على دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
أيام فلسطين