وهناك سؤال كبير يطرح بقوة منذ أن بدأت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حملتها الشرسة ضد المقاومة في جنين حتى الآن، وهو: ماذا تجني السلطة من هذه الحملة المشبوهة التي لا تخدم سوى أجندة الاحتلال؟!
في العقود الثلاثة الماضية، منعت السلطة الفلسطينية أي عمل مقاوم في الضفة الغربية، بحجة أنها كانت تتفاوض مع الاحتلال على دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967. أما الآن بعد أن توقفت المفاوضات بشكل كامل توقف، وانهار مسلسل «السلام» الكاذب، وأكد الاحتلال مراراً وتكراراً رفضه إقامة أي دولة فلسطينية، حتى لو كانت منزوعة السلاح، فلماذا تصر السلطة الفلسطينية على قتال المقاومة في الضفة الغربية باسمها؟ عن الاحتلال؟!
والاحتمال الأرجح هو أن السلطة تريد أن تثبت للاحتلال وأميركا أنها لا تزال موجودة وتسيطر على الوضع في الضفة الغربية. وعلى أمل أن يمنحوها دورا في غزة بعد انتهاء الحرب، نفذت هذا الهجوم الكاسح على مخيم جنين وحاصرت العشرات من المقاومين هناك، وقامت بتصفيتهم ونزع سلاحهم واعتقالهم. وقد قتل حتى الآن ثلاثة منهم، وعلى رأسهم قائد كتيبة جنين يزيد جعايسة، الذي يلاحقه جيش الاحتلال. ولمدة 4 سنوات كاملة لم يتمكن من الوصول إليه، فوصلت إليه هذه الأجهزة واغتالته!
ومنذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن، قتلت السلطات 13 مقاوما في الضفة الغربية واعتقلت 150 آخرين، معظمهم ملاحقون ومطلوبون لدى الكيان. كما اغتال الاحتلال العديد من المقاومين الذين لاحقتهم السلطات، وفشل في اغتيالهم أو اعتقالهم، ومن بينهم “أبو شجاع” في طولكرم، أليس هذا تكاملا بين الطرفين؟ وتؤكد أن أجهزة هذه السلطة أصبحت ذراعاً أمنية للاحتلال. ويلعب دوراً لا يختلف عن «جيش لحد» المنهار في جنوب لبنان؟! ألا تدرك السلطة أنها بهذا الدور المخزي تريد إدامة احتلال فلسطين وتصفية قضيتها؟!
والأكثر إثارة للاشمئزاز هو أن أحد قادة هذه الأجهزة يظهر على إحدى القنوات العربية ويقول: إن هدف الحملة في جنين هو “محاربة المرتزقة والمأجورين وداعش الذين يعملون لأجندات إقليمية ويريدون قلب الأمور رأساً على عقب”. الضفة الغربية إلى غزة الثانية؟!” أليس من العار أن يتم مهاجمة المقاومين بكل هذا الحقد والحقد، ويوصفون بـ”المرتزقة” و”المأجورين” و”الدواعش” وهم من يسفكون دماءهم الرخيصة في سبيل التحرير؟ فلسطين والأقصى؟!
وكأنها تقول له: أكمل ما بدأته في غزة، أما المقاومة في الضفة فنخفف عنك عبئها.
ولو كان لهذه السلطة سبب، فإن المجازر الوحشية التي ارتكبها الاحتلال في غزة وتدمير بنيتها التحتية منذ أكثر من 14 شهرا، وحملات التجويع والتهجير والتطهير العرقي لسكانها، فضلا عن انهيار “السلام” فالعملية معها، بعد 31 سنة كاملة من اتفاقات أوسلو، كانت ستدفعها إلى التوبة والعودة إلى السلام. احتضان شعبها ودعم مقاومتها المشرفة في الضفة الغربية، لكنها للأسف فقدت كل قيم الوطنية والعروبة والشهامة والشعور بالعزة والكرامة، واستسلمت تماماً للاحتلال وخضعت.
فبدلاً من توجيه سلاح 60 ألفاً من أفراد أمنها للدفاع عن الفلسطينيين في الضفة الغربية ضد انتهاكات الاحتلال اليومية وقطعان مستوطنيه، اختارت أن تصبح داعماً له، مكملة ما عجزت عن فعله في مختلف المحافل. معاقل المقاومة هناك، وكأنه يقول لها: أنهي ما بدأته في غزة. أما المقاومة في الضفة فنخفف عنكم عبئها!
ويكفي أن تخجل هذه السلطة مما كشفه موقع “أكسيوس” الأميركي، من أن بعض مسؤوليها سبق وأن أبلغوا إدارة الرئيس بايدن ومستشاري ترامب بعملية جنين، وأن المنسق الأمني الأميركي مايك فنزل التقت بالقادة الأمنيين في الهيئة قبل العملية «لمراجعة خططهم»، وبعدها طلبت… الولايات المتحدة مستعدة للسماح للهيئة بتزويدهم بالمعدات والذخيرة لإنجاز «مهمتهم» هناك.
وكشفت صحيفة “هآرتس” العبرية أن الاحتلال سيزودهم بمعدات عسكرية متطورة، أبرزها أجهزة إبطال مفعول العبوات الناسفة، إضافة إلى زيادة التنسيق الأمني بين الطرفين. إلا أن السلطة تسمي هذه المهمة القذرة “حماية الوطن”! وشيطنة وتجرم المقاومة الشريفة. يا له من عار. هذا؟!
ويتزايد السخط الشعبي ضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتملأ المظاهرات الشوارع في جنين ونابلس وطولكرم ومعاقل أخرى، حتى أن بعض ضباط الشرطة وقيادات فتح بدأوا يشعرون بالقلق ويعارضون هذه الحملة الأمنية التي ينسجم مع المخططات الصهيونية والأميركية، ومع مرور الأيام قد يتحول القلق إلى رفض مواجهته. أيها الإخوة في مخيم جنين، ومن ثم يصبح انهيار السلطة أمراً مفروغاً منه. وعندما رفض الجيش السوري القتال، عجزت روسيا، القوة العظمى الثانية في العالم، عن إنقاذ نظام الأسد وانهار في 12 يوماً فقط. وعلى السلطة أن تفكر وتعود إلى حضن شعبها، بدلاً من الاستنجاد الجوفاء بأعداء الوطن والإنسانية: أمريكا والاحتلال.
جريدة الشروق الجزائرية