وفي ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة مع تراجع «محور المقاومة»، بدأ الحديث عن حل قوات الحشد الشعبي في العراق، ضمن سلسلة مطالب دولية، وتحديداً أميركية.
ورغم عدم وجود بيان رسمي من الحكومة العراقية حول هذه القضية، إلا أن مستشاري رئيسها محمد شياع السوداني، يعطون هذه التصريحات قدراً من الواقعية.
رسائل ضمنية
وأثيرت القضية بعد عدة تهديدات من الاحتلال بقصف فصائل عراقية كانت تطلق طائرات مسيرة باتجاه الأراضي المحتلة، وتمكنوا في تشرين الثاني/نوفمبر من قتل جنديين “إسرائيليين” في الجولان.
وبداية الشهر الجاري، التقى المبعوث الأممي الجديد إلى العراق المرجع الشيعي علي السيستاني، وبعد اللقاء والحديث الدبلوماسي المعتاد، خرج الحسن بجملة لفتت انتباه الكثيرين.
وقال الحسن، إن “العراق اليوم بحاجة ماسة إلى العمل بخطى ثابتة ومتسارعة للتخلص من تركات الماضي الأليم، الأمر الذي يتطلب قرارات جريئة وعاجلة. ونقول إن خير البر عاجله، ونشجع أصحاب القرار في هذا البلد على اتخاذ القرارات التي يجب اتخاذها، والتي طال أمد بعضها”. .
وبرزت عقب هذا التصريح توضيحات بشأن حل الحشد الشعبي، إلى أن كشف الأربعاء الماضي مستشار رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الصميدعي، عن تلقي الحكومة طلبا واضحا من أطراف دولية وإقليمية بضرورة – تفكيك أسلحة الفصائل المسلحة.
وأضاف الصميدعي، في حديث لقناة السومرية العراقية، أن هناك ضغوطا دولية متزايدة على الحكومة العراقية للسيطرة على الأسلحة الهاربة خارج إطار الدولة، قائلا: “لقد طلب منا صراحة تفكيك جهاز المخابرات العراقي”. أسلحة الفصائل المسلحة في إطار جهود إعادة الاستقرار إلى العراق وضمان السيادة الوطنية.
وأشار إلى أن “الحشد الشعبي مؤسسة رسمية وقوية، لكن هناك فصائل تحت غطاء الحشد، وهذا ما يثير الشكوك في الغرب وأميركا، لذلك يطالبون بحل الحشد”. القوات ونهاية نظام الدولة والدولة المساعدة”، مبيناً أن “القرار السياسي قادر على إنهاء هذا الوضع وتنفيذ حل الفصائل التي لها وجود”. سياسياً، نعتقد أن ازدواجية الدولة والمقاومة ستنتهي قريباً”.
من جانبه، يقول الكاتب والباحث السياسي العراقي نذير الكندوري، “يكثر الحديث هذه الأيام في الأوساط الإعلامية عن طلب الولايات المتحدة من حكومة محمد شياع السوداني العمل على حل قوات الحشد الشعبي”. الميليشيات والميليشيات الأخرى غير التابعة لقوات الحشد الشعبي”.
وأضاف الكندوري في تصريح لـ”عرب تايم” أنه لا يوجد أي إعلان أو بيان رسمي صادر بهذا الخصوص من العراق أو الولايات المتحدة يعزز من مصداقية هذه الأخبار. لكن ما يزيد من مصداقية الخبر هو ما نراه من ردود أفعال غريبة على مستوى قيادات تلك الميليشيات والإشارات التي أطلقها السوداني نفسه. وتشهد الساحة العراقية غياب قادة الميليشيات عن وسائل الإعلام وغيابهم عن الاجتماعات لفترة ليست بالقصيرة بعد انتهاء حرب حزب الله مع “إسرائيل”.
وتابع، ما يوحي بالفرضية هو أنهم خارج العراق، وقد تسربت معلومات، من الممكن أن يكونوا في دولة صديقة هي بيلاروسيا، خوفا من استهدافهم من قبل الطائرات الأمريكية أو الإسرائيلية.
ويشير الكندوري إلى رد الفعل الغاضب لرئيس الوزراء السوداني على تصريح أحد مستشاريه بأن أمريكا طلبت من السودانيين حل الميليشيات، فأقاله بسبب هذا التصريح. ويؤكد أن الخبر قد يكون فيه قدر من المصداقية، وأن هناك أمرا يحدث في الخفاء. كما أن زيارته المفاجئة للسعودية والاستقبال البارد الذي قدمه له بن سلمان يرجح أن يكونا مرتبطين بهذا الطلب الأمريكي.
الضغط الدولي
ومع اتساع الحديث عن حل الحشد الشعبي، يبدو الأمر في سياق حراك دولي ثابت، إذ نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله عن مسؤول عراقي قوله إن أعلى مسؤول عراقي ويتعرض المرجع الشيعي علي السيستاني لضغوط لإصدار فتوى بحل “الحشد الشعبي”، لكنه يرفض.
وأضاف المسؤول أن الحكومة العراقية تلقت أكثر من مرة طلبات من جهات دولية وإقليمية لحل قوات الحشد الشعبي وتسليم سلاح الفصائل المسلحة للدولة. وكشف مصدر آخر أن الزيارة الثانية لممثل الأمم المتحدة في العراق محمد الحسن إلى المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، كانت بهدف مطالبته بإصدار فتوى بتفكيك “الحشد الشعبي”. القوات” التي أنشئت بفتوى منه، أو دمجها مع الوزارات الأمنية، لترفض الأخيرة استلامها.
وفي السياق نفسه، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، رفضه قبول أي إملاءات أو ضغوط من الخارج، خاصة فيما يتعلق بحل “الحشد الشعبي”، باعتبارها مؤسسة رسمية يصدر بقانون في عام 2014 والذي وافق عليه البرلمان.
وقال السوداني للتلفزيون الحكومي: “من غير المقبول توجيه الشروط والإملاءات إلى العراق، ولا توجد شروط لحل قوات الحشد الشعبي”.
“أطلب ما أستطيع”
ويرى الكندوري أن الإدارة الأمريكية تعلم علم اليقين أن السودانيين غير قادرين على حل قوات الحشد الشعبي أو المساس بعملها، لأن هذا الطلب يتعارض مع الرغبة الإيرانية ويتعارض مع رغبة الأطراف التي دعمت حكومته. ولذلك وكما يقول المثل العربي: “إذا أردت أن تطاع فاطلب ما استطعت”.
وأضاف أن أقصى ما يمكنه فعله هو شراء الوقت ومحاولة الوقوف في منطقة محايدة بين الرغبة الأميركية والرغبة الإيرانية، وهو الأمر الذي طالما برع فيه كل رؤساء الوزراء العراقيين بعد 2003 على هذا النحو.
وبحسب الكندوري، فإنه “يبدو أن هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، فالإرادة الأمريكية جادة هذه المرة في تصفية الميليشيات العراقية الموالية لإيران بعد نجاحها في هزيمة حزب الله، وخروج الميليشيات الإيرانية من العراق”. سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، واليوم جاء دور الميليشيات الموجودة”. وفي العراق، هذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك.
فهل يمكن الحد من النفوذ الإيراني بهذه البساطة؟
يجيب الكندوري على هذا السؤال بالقول، إن “كثيرا من المعارضين العراقيين خارج البلاد يفرحون اليوم بإمكانية قيام واشنطن بتصفية الميليشيات العراقية وإخراجها من المشهد السياسي العراقي، لأن ذلك (حسب اعتقادهم) سيزيل النفوذ الإيراني من العراق”. العراق، وسيستعيد العراق استقلاله واعتماده على إيران”. في ظل غياب هذه الميليشيات.
وأضاف أن “النفوذ الإيراني ليس بهذه البساطة إلا إذا كان محدودا بغياب الميليشيات. ورغم أن للميليشيات دور كبير في الحفاظ على هذا النفوذ، إلا أن لإيران فاعلين آخرين في العراق على مستوى الأحزاب السياسية، فضلا عن المرجعيات الدينية”. التي لها تأثير كبير في العراق، حتى على مستوى الاتجاهات الثقافية”.
وأضاف الكاتب العراقي أن “الأمر لا يقتصر على الطائفة الشيعية العراقية فقط، فخلال السنوات الماضية نجحت إيران في اختراق شرائح مجتمعية عراقية أخرى، مثل السنة أو الأكراد، وارتبطت مصالحهم بمصالح إيران”. “
ويختتم الكندوري بالقول، “إذا كانت واشنطن جادة في ضرب الميليشيات أو تأديبها أو حلها، فستكون خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، على طريق تحرير العراق من النفوذ الإيراني، وستمهد الطريق أمام الفصائل المسلحة”. العراقيون يستعيدون وطنهم، ولكن بعد أن قطعوا شوطا طويلا وكفاحا مريرا لتحقيق هذا الهدف”. .
عرض الأخبار ذات الصلة
خطوة صعبة للغايةمن جانبه، قال نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي المقرب من السوداني، في مقابلات مع وسائل إعلام عراقية، إن المخاوف من الأحداث والتطورات الأمنية أو السياسية في العراق خلال المرحلة المقبلة بعيدة عن الواقع.
وأضاف أن “هناك من يريد إشعال الفتنة الداخلية لترويج أحداث لا يمكن أن تحدث في العراق، خاصة على الصعيدين الأمني والعسكري”. ورأى أن “تحركات الحسن واجتماعاته المختلفة عادية جدا، وزيارته لإيران عادية أيضا، وهناك مكتب للأمم المتحدة، لكن ليس له ممثل، وهذا الأمر حدث في فترات الممثلين السابقين للأمم المتحدة”. الأمم في العراق.”
وأشار الأعرجي إلى أن “الحشد الشعبي مؤسسة عراقية رسمية، يشرعها القانون، والحديث عن دعوات لحل الحشد ليس حقيقيا”. أما الفصائل المسلحة فالقرار بشأنها سواء بالتفكيك أو غيره يعود للدولة العراقية حصراً، فهي شأن عراقي داخلي، ومن يقرر ويقرر هم من يقرر بقاء هذه الفصائل أم لا. مع العلم أن وجودهم مرهون بوجود الاحتلال، وفي غياب هذا السبب لن توجد فصائل مسلحة.
ويقول الناشط السياسي العراقي محمد الخفاجي إن قرارا كهذا سيحدث زلزالا في العملية السياسية المثقلة بالأزمات أصلا في العراق. وكيف سيتم تفكيك قوة مسلحة تعتبر حليفة للجيش وحامية للنظام في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة؟
وأضاف في حديث لـ”عرب تايم” أن السيستاني لن يتخذ مثل هذا القرار في تاريخه، لاعتبارات كثيرة أولها الطائفية. بل إن فكرة حل الحشد الشعبي ستثير أزمة داخل «هيئة السكان» نفسها، والجميع الآن في العراق يريد إبعاد البلاد عن التوترات المحيطة.
ومن الناحية العملية، يقول الخفاجي، أصبح لدى الحشد الشعبي ممثلون في البرلمان والمكاتب والشركات الاقتصادية، فحتى فكرة دمجها ليست مسألة سهلة إذا اتفق الجميع عليها.
وعن رؤيته للمستقبل، يؤكد الخفاجي أن الأوضاع في العراق تتجه نحو الهدوء، إذ عرفت القوى الشيعية الحاكمة ببراغماتيتها العالية، ما مكنها من تجاوز العديد من المخاطر. وسيكون التركيز في المرحلة المقبلة على تحصين الجبهة الداخلية ودراسة كيفية التعامل مع الجارة الجديدة في سوريا المعادية تماماً للعراق.