وتصور الكيان الصهيوني أن الأمر قد حسم سواء في فلسطين أو في لبنان وسوريا واليمن، وأنه بدأ بالفعل في خلق الشرق الأوسط الجديد كما أراده، شرق أوسط يهيمن عليه ويخضع لسيادته. الإرادة، وتحت سيطرتها المطلقة… لكن هذا الوهم لم يدم إلا أياماً قليلة، منذ بداية شعوره بأنه قد تم إسكاته. الجبهة اللبنانية، قضت على الجبهة الفلسطينية، وأخافت الجبهة اليمنية، وأصبحت حرة في سوريا.
الرد الأول جاء من اليمن بصاروخ باليستي تفوق سرعته سرعة الصوت ضرب قلب تل أبيب يوم السبت وأصاب هدفه بدقة متناهية، مما يؤكد فشل كافة أنظمة الاعتراض الصهيونية الأمريكية في صده ومنعه من الوصول إلى حيث وجهته. : لا «القبة الحديدية» ولا «نظام هايتس» ولا «مقلاع داود». ولا حتى النظام الأميركي الأحدث والأكثر تطوراً المسمى «ثاد»، والذي تم تسليمه إلى إسرائيل قبل شهرين، لم يتمكن من الصمود. في مواجهة الصواريخ اليمنية..
وفي الواقع، حدث العكس. وخرج العميد يحيى سريع ليؤكد إعلان القوات الصاروخية اليمنية مسؤوليتها عن إطلاق صاروخ “فلسطين 2” انتصارا لغزة وردا على ظلم الشعب الفلسطيني. وخرجت معه الجماهير بمئات الآلاف تؤيدهم وتقويهم وتعبر عن استعدادهم للتضحية من أجل حريتهم واستقلالهم على طريق القدس. وفلسطين.
الرد الثاني جاء من الجنوب السوري الذي ظن الجميع أنه نسي احتلال الكيان الصهيوني وسط فرحته بالانتصار على الظلم المفروض عليه. وفجأة خرج أهالي حوض اليرموك في درعا في وجه العدو رافعين شعارات مثل “سوريا حرة.. إسرائيل ستظهر”. لا موت ولا مذلة”، مشدداً على ثبات الشعب السوري على مبادئه، وتمسكه بحق الدفاع عن أرضه وكرامته، واستعداده للاستشهاد. دون أرضه وشرفه وحريته.. وكعادتهم لا يتردد الصهاينة في إطلاق النار عليهم، وقد ارتقى أول شهيد منهم على أرضه الطاهرة قبل يومين.
الرد الأهم كان من عمق المعركة في غزة والضفة الغربية. المقاومة نفذت عمليات بطولية نوعية في اليومين الماضيين: مقاوم يقتل ضابطا وثلاثة جنود بسلاح أبيض ويأخذ أسلحتهم، قضى على قناص صهيوني ومرافقه في جباليا، مجاهد فجر نفسه برصاص صهيوني قوة قوامها 6 جنود، قصفت مقر القيادة والسيطرة في محور “نتساريم” بصاروخين من طراز “نيتساريم”. بدر 1 و107 كتائب القسام تستهدف موقع “ماجن” بطائرة مسيرة من نوع “الزواري” وتفجير عبوة ناسفة لكتائب الحارثية في جيب عسكري واشتباكات متواصلة وتفجيرات في “سيلا” و”عرابة” في مخيمي جنين وبلاطة.. ما رفع حصيلة الشهرين الأخيرين في خسائر العدو الصهيوني إلى القتلى 60 جندياً صهيونياً بينهم. قائد اللواء 401…
معركة “طوفان الأقصى” لم تحسم بعد أو تنتهي
كل هذا يسمح لنا بالتوصل إلى استنتاجين استراتيجيين:
الأول: أن معركة “طوفان الأقصى” لم تحسم بعد ولم تنته، وأن محاولة الكيان الصهيوني إيهام الدول العربية بأنه حقق النصر المطلق وإيهام أنصاره بذلك لقد استطاعت أن تحقق كل أهدافها، وأن على كل دول المنطقة أن تستعد للخضوع للمنطق الصهيوني بناء على ذلك… كلها مجرد أوهام انتصارات. مؤقتة وسوف تنهار قريبا.
ثانياً: لقد ولى زمن الكيان الصهيوني المتفوق على الجميع في المنطقة والذي يسعى لفرض منطقه على المنطقة، رغم محاولات الخداع الإعلامي التي تحاول عبثاً تقديمه في صورة كيان متماسك قادر. بفرض سياستها على الجميع وعليهم الخضوع لها.. كما أن زمن الهيمنة الأمريكية على المنطقة قد ولى. وهو أيضاً دخل مرحلة الانحطاط ولا يستطيع العودة إلى ما كان عليه.
من كان يتصور أن تل أبيب ستتعرض لضربة مباشرة من اليمن؟ ومن كان يتصور أن المقاومة الشعبية الفلسطينية ستسبب كل هذه الخسائر للعدو في الجنود والعتاد؟ من كان يتصور أن حزب الله يستطيع أن يضرب أي نقطة يريدها في الكيان؟… كل هذه الحقائق تشير قطعا، خلافا للدعاية الصهيونية، إلى أن العصر الصهيوني في تراجع، حتى لو حاول التشبث بوهم النصر .
جريدة الشروق الجزائرية