(1) خطوة يقودها نتنياهو؟
وجاء التحرك العسكري للمعارضة السورية “سابقا” بعد أيام من تصريحات لرئيس وزراء الاحتلال نتنياهو حذر فيها نظام الأسد من “اللعب بالنار”. وتم استخدام هذا التصريح للترويج لفكرة أن الخطوة تمت بالتنسيق مع حكومة الاحتلال الفاشية، للاستفادة من حالة التراجع التي يمر بها “محور المقاومة”، بعد توقيع حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال. .
كثير ممن طرحوا هذه الفكرة لا يستحقون النقاش، لأنهم يبنون هذا الطرح على عدائهم للثورة السورية منذ يومها الأول، لكن بعض الذين أيدوا الثورة في بداياتها السلمية، ثم بدأت المخاوف تطغى عليهم. ودعمهم بعد عسكرة الثورة، يثير هذه المصادفة حرصاً على مستقبل سوريا. هذه، بالطبع، تستحق مناقشة هادئة.
الرد الأساسي على هذه المصادفة «المصطنعة» هو أن السياسة لا تعمل بشكل «خطي»، فتزامن حدث سياسي أو عسكري مع تصريح لسياسي هنا أو هناك لا يعني بالضرورة أن الحدث والبيان مترابطة.
إلى ذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي يعلن منذ عقود عدائه وهجومه على نظام الأسد، ولم تتوقف التصريحات المعارضة له، خاصة بعد دخول القوات العسكرية الإيرانية إلى سوريا. لذا، إذا كانت خطوة «المعارضة» السورية هي «تنفيذ» لتصريحات نتنياهو، فلماذا لم تتحرك مبكراً؟
وبات من المؤكد أن انتصار «المعارضة» السورية وهروب الأسد بعد سقوط نظامه قد تحقق جزئياً بسبب خسارة ما كان يعرف بـ«محور المقاومة».
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه لو أرادت «المعارضة» أن تكون جزءاً من حرب «إسرائيل» على «محور المقاومة» لتحركت خلال العدوان «الإسرائيلي» على لبنان، لكنها التزمت الصمت رغم استعداداته. للهجوم منذ أكثر من عامين حتى انتهاء العدوان.
لكن هذا لا يعني أن المعارضة لم تستفد من نتائج التغيرات التي طرأت على المنطقة منذ “طوفان الأقصى”.
(2) هزيمة محور المقاومة؟
وبات من المؤكد أن انتصار «المعارضة» السورية وهروب الأسد بعد سقوط نظامه قد تحقق جزئياً بسبب خسارة ما كان يعرف بـ«محور المقاومة». ولم تتمكن إيران من تقديم المساعدة العسكرية اللازمة للنظام كما فعلت خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية بسبب تراجع اقتصادها، وتضرر قوتها بعد الضربات التي وجهها الاحتلال لأهدافها العسكرية خلال الأشهر الماضية. كما لم يتمكن حزب الله من قتال المعارضة السورية كما فعل سابقاً، لأنه تلقى ضربة موجعة خلال العدوان الإسرائيلي الذي بلغ ذروته بعد تفجير البيجر الإرهابي وما تبعه من اغتيالات لكبار قياداته وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله. وشن حرب عدوانية على لبنان برا وجوا.
وهذا يعني أن اختيار توقيت عملية “ردع العدوان” أخذ في الاعتبار هذه العوامل، لكن هل يعني ذلك أن العملية تسببت في هزيمة “محور المقاومة”؟
والحقيقة أن هزيمة النظام السوري لم تكن أكثر من إسدال الستار على نهاية «محور المقاومة» كما عرفناه سابقاً، ولم تكن السبب في هذه النهاية. وقد ثبت الآن، بحسب مصادر إعلامية دولية وعربية، وحتى مقربين من حزب الله، أن نظام الأسد يتخذ خطوات متسارعة للابتعاد عن المحور، بوساطة إماراتية، منذ أكثر من عامين. وبدا ذلك واضحاً في الخطوات التي اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سوريا، ومنع حزب الله -بحسب مصادر إعلامية- من تفعيل قواعده العسكرية خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، إضافة إلى الصمت التام حتى تجاه التصريحات المؤيدة. قوى “المحور” التي كانت تخوض حرب نصرة لقطاع غزة بعد “طوفان الأقصى”.
وهذا يعني أن سوريا كانت خارج “المحور” قبل هزيمة النظام وهروب الأسد، كما أن المحور كان أضعف أيضاً بسبب العدوان الشرس الذي تعرضت له من الاحتلال، بعد عملية 7 تشرين الأول 2023، وليس بسبب من سقوط نظام الأسد. لذا فإن التباكي على أن المقاومة تلقت ضربة بسبب هروب الأسد قراءة في غير محلها.
(3) الأهداف “الإسرائيلية”.
ويمكن معرفة الأهداف “الإسرائيلية” في سوريا من خلال الهجمات اليومية التي تشنها على الأراضي السورية، وتصريحات القادة السياسيين والعسكريين بشأن مستقبل هذا البلد العربي المهم.
وخلال أيام قليلة قصف الاحتلال سوريا بنسبة عالية جداً، متجاوزاً القصف الذي نفذه منذ 2011 بنسبة كبيرة، واحتل جيش العدوان أراضٍ سورية جديدة أهمها القنيطرة، بالإضافة إلى مناطق في جنوب سوريا وصولاً إلى درعا على الحدود الأردنية.
وقد ثبت الآن، بحسب مصادر إعلامية دولية وعربية، وحتى المقربين من حزب الله، أن نظام الأسد يتخذ خطوات متسارعة للابتعاد عن المحور، بوساطة إماراتية، منذ أكثر من عامين، وهذا ما أصبح واضحاً في الخطوات التي اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سوريا.
وبالتزامن مع القصف الجوي والعدوان البري، لم يخف الاحتلال أهدافه السياسية والعسكرية في سوريا، حيث أكد أنه يريد إضعاف ما تبقى من قدرات الجيش السوري، ومواصلة احتلال القنيطرة كمنطقة عازلة لـ سنة على الأقل، وقد تطمح إلى إقامة منطقة عازلة في الجنوب، كما تريد منع أي فرصة لمهاجمة “إسرائيل” من قبل القيادة السورية الجديدة، التي أعلنت بوضوح أنها قيادة معادية ومتطرفة وغير جديرة بالثقة.
أما الهدف الأطول أجلا للاحتلال فهو تقسيم سوريا من خلال دعم الأقليات “الدروز والعلويين والأكراد”. جاء ذلك بوضوح من خلال التحليلات التي نشرتها الصحف العبرية لخبراء استراتيجيين وجنرالات سابقين، وبشكل غير مباشر في تصريحات وزير الخارجية جدعون ساعر الذي أكد على أنه “من المهم ضمان حماية الأقليات في سوريا، بما في ذلك الأكراد والدروز والمسيحيين”. والمسيحيون، بالإضافة إلى العلويين، وهم الأقلية التي كانت حجر الزاوية في نظام الأسد”.
(4) ما هو المطلوب من سوريا؟
وفي ظل هذا المشهد الإقليمي، والأهداف «الإسرائيلية» العدوانية المعلنة، فإن المطلوب من سورية تشكيل موقف وطني سوري موحد ضد العدوان. وهذا يتطلب البدء بخطاب سياسي واضح يدين العدوان ويرفض الاحتلال الإسرائيلي سواء للجولان أو الأراضي المحتلة في الأيام الأخيرة، والابتعاد عن الخطاب “الناعم” الذي يعلن الضعف في مواجهة الاحتلال وهو الخطاب الذي ساد اللقاءات الإعلامية لقائد العمليات العسكرية أحمد الشرع بعد سقوط الأسد.
وحتى تتمكن سوريا من مواجهة العدوان “الإسرائيلي” السافر، من الضروري أن تضع القيادة السورية الجديدة قضية وحدة البلاد على رأس أولوياتها، لأن مواجهة العدوان ووحدة سوريا قضايا ولا يقل أهمية عن حل المشاكل الداخلية، التي تستحق بلا شك اهتماما كبيرا.
وهذا لا يعني دعوة القيادة السورية الجديدة إلى شن حرب على الاحتلال، لأن توازن القوى غير المتوازن بين الطرفين يمنع مثل هذه الحرب، لكن المطلوب على الأقل تهديد الاحتلال بمقاومة شعبية لعدوانه. وإدانته بلغة واضحة، والتوقف عن تقديم الوعود والنوايا “الحسنة” المجانية للاحتلال، ووضع الاحتلال غير الشرعي للجولان والقنيطرة والأراضي السورية الأخرى على طاولة النقاش مع الوفود الأجنبية.
وحتى تتمكن سوريا من مواجهة العدوان “الإسرائيلي” السافر، من الضروري أن تضع القيادة السورية الجديدة قضية وحدة البلاد على رأس أولوياتها، لأن مواجهة العدوان ووحدة سوريا قضايا ولا يقل أهمية عن حل المشاكل الداخلية، التي تستحق بلا شك اهتماما كبيرا.
السياسة الغربية تقوم على الضغط التدريجي على دول منطقتنا، وكلما تنازل قادة هذه الدول أمام الضغوط، تعرضوا لضغوط إضافية من الغرب للحصول على المزيد من التنازلات. لذلك، من المفترض أن تعرف القيادة السورية الجديدة متى تقبل ومتى ترفض، وأن تعرف أيضاً كيف تناور في مواجهة الضغوط. دون خسارة العلاقات مع دول العالم الضرورية لبناء سوريا وحل مشاكلها المستعصية.
نظام الأسد بنى جزءاً من شرعيته على دعم المقاومة وفلسطين، لكن سوريا الجديدة التي نهضت بعد ثورة وكفاح طويل، سوريا الحرة وشعبها الذي بدأ يتنفس حريته وكرامته على سوط هذا النظام، هو الأول بهذه الشرعية التي ستبقى ناقصة، ما دام الاحتلال الإسرائيلي جامحاً ويمرح. في الأراضي السورية دون خطاب قوي وموقف واضح واستعداد لمقاومة احتلال الأراضي السورية وفق الإمكانيات المتاحة.