لا شيء أفضل من الوضوح في الحرب. وهذا ما يفعله بنيامين نتنياهو دون تردد. كل مسرحياته لا تمنعه من أن يكون واضحا عندما يتعلق الأمر بأصل مشروعه. وما يعلنه يمثل، كما تقول الوقائع، مشروع الأغلبية الساحقة من مستوطني الكيان، وهو مشروع يحظى بدعم حقيقي من العالم، الذي يجد اهتمامه بكل ما يفعله هتلر الحديث.
أمس، لخص نتنياهو في خطاب قصير جوهر ما يعمل عليه منذ سنوات عديدة. وقال لشعبه، كما قال لنا، أن يستعدوا لحرب طويلة وواسعة النطاق في المنطقة بأكملها. وهذا ما يجعلنا نحيل هذا التحدي إلى كل من يحدثنا عن السلام والتسوية مع العدو، أو يدعونا إلى الانحناء أمام العاصفة، أو يحملنا مسؤولية جرائمه المكشوفة في كافة أنحاء المنطقة. وكان حليفهم الأكثر وضوحاً أن مشروعه التوسعي ليس له حدود. وإذا كان الأمريكان، ومعهم بعض أوروبا، يريدون إقناعنا بأن الاستسلام للعدو هو أفضل وسيلة لكبح جماحه، فإن ما فعلوه ويفعلونه منذ عام وأكثر في غزة، لم تكن نتيجته إلا المزيد قتل.
أول من أمس، عاد المهرج عاموس هوشستين لتقديم عرض جديد. بصراحة، المشكلة ليست في الرجل الذي يفعل ما يجيده أو ما هو مطلوب منه، بل في أولئك الذين ما زالوا يستمعون إليه ويأخذون بما يقول، وفي أولئك الذين يعتقدون أن الأميركيين كذلك. في موقف الرغبة في الضغط على إسرائيل لوقف الحرب على لبنان.
عملياً، نحن أمام حقيقة واحدة، وهي أن إسرائيل عدو يعمل بنفس العقل، ونفس الروح، ونفس الأدوات ضد غزة ولبنان. وقد بدأت الأمر نفسه في سوريا، وتستعد للانتقال إلى العراق، ولاحقاً إلى اليمن، ولا يخفي نتنياهو استعداداته المستمرة لضرب إيران.
نحن أمام حقيقة واحدة، وهي أن إسرائيل عدو يعمل بنفس العقل، ونفس الروح، ونفس الأدوات ضد غزة ولبنان.
أما من يطالب بفصل الساحات عن بعضها البعض، فلا يريد أن يفهم حقيقة أن ما تفعله إسرائيل، بدعم واضح من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وبشراكة بعض الدول العربية، هو توحيد قوي للساحات. ومن يسعى لفصل الجبهات لا يعلم أن العدو بحضوره وما يفعله هو ما يعزز وحدة الجبهات ويرفع مستوى التحدي لكل من يعتقد أن إسرائيل شر يجب القضاء عليه.
ولأن الأمور هكذا، فإن مشروع المقاومة هو الخيار الوحيد، وبديله الحياة أو الموت جوعاً وقهراً ومهانة. كل من يعطينا دروسا في السيادة والحرية والكرامة الوطنية، ولكنه مستعد لإشعال النار في البلاد من أجل حارس الغابة، يجب أن يفهم أن الدرس الأهم في هذه الحياة هو الوقوف في المكان الصحيح. وكل من يستمر في تحميل المقاومة المسؤولية عما يحدث عليه أن يعلم أنه من الآن فصاعدا سيكون شريكا في هذا العدوان، وعليه أن يدرك أن موقفه من أصل العدوان الإسرائيلي هو الأساس، وعليه أن يدرك أنه إذا قرر الانحراف عن واجبه – كما يدعي في دفاعه عن السيادة… فلا يحق له أن يحاسب الناس على سبب قيامهم بواجبهم، على سبب أنهم يقدمون كل ما لديهم للدفاع عنه. وجودهم وحقهم في الحياة الحرة وسعيهم إلى الاستقلال الحقيقي.
أما من يتحدث كثيرا عن الاستقلال، وهو يقود مسيرة تريد أن تأخذ البلاد نحو المغامرة الكبرى، فعليه أن يدرك خطورة الاتفاق والمشاركة في وضع مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية والمالية. تحت وصاية الاستعمار الأمريكي.
ومن الصدق أن نقول لمن يعتقد أن الحرب القاسية الدائرة اليوم تسمح له أو للاحتلال الأميركي بفرض الحقائق على آليات العمل داخل لبنان، أنه سيتوهم أن شيئاً كهذا سيمر دون مقاومة. أما اللبنانيون والعرب والغربيون الذين لم يقرأوا التاريخ جيداً، وخاصة الولايات المتحدة، فما عليهم إلا أن يعودوا إلى الوقت الذي احتلت فيه إسرائيل بيروت، ونصبت رئيساً لها، وأتت بجيوش الأطلسي لحماية مصالحها. لكن الأمر لم يستغرق بضع سنوات قبل أن يتبدد كل شيء. وذلك لأن ما تم فرضه لم يكن حقيقيا ولا يمثل تطلعات شعب هذا البلد.
أما من يرفع صوته اليوم مستخدماً العصا الإسرائيلية لتهديدنا، ويتصرف بغطرسة وعجرفة مع المقاومة وبيئتها، فما عليه إلا أن يسأل نفسه: ما الذي يمنع هذا الجيش المتوحش بكل قوته النارية وغير المسبوقة؟ القدرات الجوية من احتلال قرية في جنوب لبنان؟ وعندما يحصل على الجواب السريع عليه أن يفهم أن هذا الشعب لا يحتاج إلى أكثر من مسيرة واحدة لمنع أي متطوع لخدمة الاحتلال من إثارة الفتنة الداخلية. كما أنه لا يفتقر إلى الشجاعة والقدرة على محاسبة شركاء العدو الغربيين، وخاصة الأميركيين والبريطانيين والألمان.
ويبدو أن هؤلاء يخلطون الأمور عندما يديرون «شأنهم اللبناني»، فلا ضير من مساعدتهم على فهم حقيقة أن «العقل البارد» الذي حكم جمهوراً كبيراً جداً ودعاه إلى الحفاظ على «صورة لبنان» “الدولة” لعقود من الزمن، يمكن لهذا الجمهور نفسه استخدام “العقل البارد”. ليفعل بنفسه ما هو ضروري، دفاعًا عن الوجود المقدس.
الجيد أن ما حدث، والجميل أن نتنياهو سهل الأمر على الجميع بإعلانه أن حربه مستمرة، وقال علناً إنه ينوي التوسع أكثر في حربه على لبنان، وفي المنطقة كلها. الطريق إلى إيران.
وجيد أنه خاطب الأميركيين حتى يفهم من يراهن على تدخلهم أن الحرب مستمرة وطويلة… وحينها لن يكون هناك صوت أعلى من صوت الميدان.
Discussion about this post