عاد جيش الاحتلال إلى شمال قطاع غزة للمرة الرابعة منذ بدء عدوانه على الشعب الفلسطيني في القطاع، في 8 أكتوبر 2023، ومع كل عودة يجد مقاومة أكثر صلابة، رغم تدهور أمنه. والقادة العسكريون يزعمون في كل مرة أنهم انتهوا من كتائب الحركة. حماس من المنطقة التي نفذت فيها عملياتها العسكرية. ومن بين الخسائر هذه المرة مقتل قائد اللواء 401 في جيش الاحتلال، وهي أعلى رتبة عسكرية تقتل طوال مدة العدوان. والمفارقة أنه قُتل على يد مخلفات جيشه الهمجي غير المنفجرة، وفي عملية أهداها لروح الشهيد. يحيى السنوار.
منذ بداية العدوان الأمريكي الصهيوني على قطاع غزة، تمسك سكان شمال القطاع بموقف لا لبس فيه. التهجير من الشمال إلى الجنوب مرفوض، وعودة الاستيطان إلى قطاع غزة مرفوضة، ولن تتم الهزيمة أمام المحتل والامتثال لأوامره رغم آلة القمع غير العادية وغير المسبوقة منذ ما يقرب من قرن من الزمان. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ولم يشهد العالم قط تخريبًا ودمارًا مثل ما يحدث في غزة، بما في ذلك المعارك الكبرى التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية، كامتداد صهيوني لثقافة الغرب الوحشية في صراعاته وعداواته.
ورغم العمليات الوحشية المتكررة والحصار والتجويع، بقي نحو 400 ألف فلسطيني في محافظة شمال غزة، بحسب بيان للمركز الإعلامي الحكومي في قطاع غزة السبت الماضي، ما يدل على عمق وقوة وصمود الفلسطينيين وصمودهم. المشاركة مع حركات المقاومة في إدارة المعركة من خلال البقاء في جغرافية قطاع غزة، وعدم ترك المجال للعدو للاستيطان، وهو موقف مثير للإعجاب بكل المقاييس، لأنه يدل على الوعي العميق بمخططات الاحتلال، صمود المدني الفلسطيني، ومشاركة كل الفلسطينيين في معركة طوفان الأقصى، وليس العسكريين فقط، وتحمل شعب شمال قطاع غزة النصيب الأكبر من فاتورة فشل خطة جزيرة جيورا و الحكومة الأكثر تطرفا في التاريخ المعاصر.
ما يقدمه المدنيون في شمال قطاع غزة مذهل لدرجة لا يمكن وصفها، ولا يمكن أن يفي الكلام دون أي مبالغة. إنهم يشاركون بالفعل في المعركة بشكل يخدر العقول، وبالتوازي مع هذا القتال بصمود، يأتي دور المقاومين الذين يذلون عدوهم في كل عملية وحشية يحاول من خلالها الدخول إلى أراضينا. وتوجوا معاركهم بـ”تحييد” قائد اللواء 401، وهو عنصر درزي في جيش الاحتلال.
في كل مرة نتحدث فيها عن أهل غزة وصمودهم، علينا أن نؤكد أن الإعجاب والثناء لا يعني غياب الألم أو الاستخفاف بآلام أهلنا هناك. إن البلاء يمزق القلب، والمصيبة عظيمة، ولا يمكن الحديث عن ضرورات التحرير بقلب أجوف ومشاعر باردة، رغم أن معارك التحرير ممتزجة بتضحيات جسيمة، هذا هو الثمن. التحرر، ومع ذلك يستمر الألم في تجريد الروح
ومعلوم أن الدروز يشتكون من كونهم مواطنين من الدرجة الثانية، خاصة بعد قانون الجنسية اليهودية لعام 2018، دون الالتفات إلى ما يسمى بـ”ميثاق الدم”، الذي يحصل فيه الدروز على الحماية مقابل “سفك دمائهم”. من خلال القتال في جيش الاحتلال، وبعض امتيازات الحكم الذاتي مثل التعليم والعمل. المحاكم الإدارية، بموجب قانون صادق عليه الكيان الصهيوني عام 1963، ورغم كونهم مواطنين من الدرجة الثانية، إلا أنهم يقدمون الولاء الكبير لكيان الاحتلال، ويقابل ولاءهم بوضعهم في الصفوف الأولى المقاتلة.
وفي الجانب المقابل من الشمال الصامد نجد جنوب غزة يتزين برجاله أيضاً، وقد تفاجأنا مثل بقية العالم بأن من أطلق الطوفان ومهندس معركة التحرير يقف بين جماهيره. الإخوة والأبناء في حدود تل السلطان، حيث منيت قوات الاحتلال بمرارة وهزائم كبيرة، ولم يكن هناك فقط، بل كان يتحرك. وفي كامل القطاع على الحدود وتوجيهها وتعزيزها، أصبحت حادثة استشهاده أيقونة، وستظل مطبوعة في أذهاننا وأذهان أبنائنا.
في كل مرة نتحدث فيها عن أهل غزة وصمودهم، علينا أن نؤكد أن الإعجاب والثناء لا يعني غياب الألم أو الاستخفاف بآلام أهلنا هناك. إن البلاء يمزق القلب، والمصيبة عظيمة، ولا يمكن الحديث عن ضرورات التحرير بقلب أجوف ومشاعر باردة، رغم أن معارك التحرير ممتزجة بتضحيات جسيمة، هذا هو الثمن. التحرر، ومع ذلك يستمر الألم في تجريد الروح. ومع تواطؤ الحكام العرب على فلسطين ومقاومتها، ليس أمامنا إلا أن نشدد على أيديهم ونذكرهم بشرع الله في الكون وقوانين التاريخ. وفي التاريخ الحديث، قدم الجزائريون مليون شهيد للتخلص من الاستعمار الفرنسي الغاشم. وطبعاً لا نتمنى أن يفقد فلسطيني واحد روحه، ولا نقارن الأرقام بمدى كارثتها. بل هي مجرد تذكرة.
معركة طوفان الأقصى أعادت للعالم ذكريات الوحشية الغربية في اقتلاع السكان الأصليين من بلدانهم واستعمار أراضيهم في أمريكا وأستراليا، إضافة إلى عمليات التطهير العرقي في آسيا وإفريقيا وإدخالهم إلى أراضيهم. الناس لاستعبادهم للبيض. ورغم المجازر الغربية وعمليات التطهير العرقي، لم تشعر أي دولة غربية بالحرج أو التراجع خجلاً مما ارتكبته. لديهم يد في أي جزء من العالم. بل ما زالوا يؤيدون ما يشبه تجاربهم السابقة في فلسطين، ويقبلون بعمليات الاستيطان، حتى لو أعلنوا رفضها رسميًا، ويمدون المعتدي بالسلاح، ويمنحونه الغطاء السياسي، ويقدمون المبررات الفلسفية لممارسات الاحتلال، فقط كما برروا أفعالهم الوحشية من قبل.
أعاد الطوفان هذه الحقائق إلى العيون، وصمود أهل غزة ومقاومتهم كشف زيف الغرب وقيمه، وخنوع حكام المنطقة، وضعف الاحتلال رغم دعمه بمليارات الدولارات. الدولارات وأطنان الأسلحة الفتاكة، بل وضعف قدرات أجهزة المخابرات الدولية العاملة في قطاع غزة في مواجهة المقاومين المنضبطين. لدرجة أنهم أعمىوا أعين العالم الساهرة من أجل الحصول على معلومة واحدة عن الأسرى الصهاينة.
إن غزة هي المثال الأمثل للشعوب الحرة والمقاومة الخالصة، والقادة المدنيون في غزة، مثل زعماء العشائر والإدارات المحلية، وقادة المقاومة بالطبع، هم أيقونات ينبغي تدريسها في المناهج الدراسية لمن يريد أن يضرب المثل. الحرية والكرامة والوعي والصمود لشعب أمته، وهم يستحقون أن تُدرّس تجربتهم في كتب تاريخ العالم أجمع. وليس في منطقتنا فقط، ستبقى هذه الدروس ملهمة في إحباط مخططات أي احتلال في العالم يحاول إخضاع الحكم المدني في مكان ما لسلطته، أو يحاول إخضاع مقاومة مسلحة محدودة لآلة مدعومة عالميا بأشرس الأسلحة. والتقنيات الأكثر تقدماً، إلا أنها تفشل في مواجهة انضباط المقاومة. ، ولف الحاضنة الشعبية حولهم.
Discussion about this post