وفي الجغرافيا السياسية نجد أن الدولة المتحصنة هي تلك التي لها كيان مستقل ولكنها محاطة بدولة أخرى من جميع الجهات. وأبرز مثال على ذلك دولة الفاتيكان التي تقع ضمن الجمهورية الإيطالية.
موضوعنا بالطبع ليس عن الفاتيكان وغيره من الدول المثقبة بحسب المصطلح الجغرافي. بل استخدمنا هذا المصطلح الجغرافي للحديث عن الدول المثقبة فعلياً، ولكن وفق مفاهيم ورؤى أمنية وسياسية وثقافية وغيرها.
وفي السطور التالية المزيد من التفاصيل.
الثغرة هنا تكمن في العملاء الذين زرعهم المستعمر أو المحتل السابق
• عندما يأتي نظام حكم إلى البلاد، عن طريق انقلاب عسكري أو انتخابات مزورة، وكلتا الآليتين مدعومتان من نظام خارجي مهيمن ومؤثر، فاعلم أن هذه الدولة متحصنة أيضا، لأن النظام الحاكم الجديد سيدار من الخارج ، وسوف يتبع أوامر المؤيد الخفي. حيث سيبدأ النظام ويأمر وينتهي وينفذ ولكن حسب توجيهات واهتمامات المؤيد.
• عندما يتسلل عملاء وجواسيس نظام خارجي إلى أروقة وأنظمة ومؤسسات الدولة، يجب أن تعلموا أيضاً أن هذه الدولة مثقوبة. وذلك لأن العامل الرئيسي المهم لكي تكون أي دولة مستقرة ومتينة هو الأمن الداخلي، وهو أمر مسموح به في مواجهة هؤلاء العملاء أو الجواسيس، بكل أشكالهم وأشكالهم، وبالتالي كل خطوة أو حركة أو قرار أو اتجاه في الداخل. هي عمليات مفتوحة للحزب الذي يعمل. جواسيس لصالحها.
• عندما تتم حماية بلدة من قبل قوة خارجية، خاصة إذا كانت قوة عظمى، فاعلم أن البلدة التي تطلب الحماية في طريقها للاختراق قريباً والانضمام إلى قائمة الدول المخترقة، لأن الحامي الخارجي لن يفضح على الأغلب وسلطته وقواته للخطر دون تعويض، وبالطبع لن تكون القيمة المادية متوافقة مع فعل الحماية في أوقات الخطر. بل تجد أن الحامي الخارجي يطلب ما يعادل خدمات الحماية، مثل الاستثمار في الدولة بمزايا خاصة، أو حق الإشراف على مشاريع معينة، أو التدخل في تشكيل توجهات الدولة ورؤاها، أو التأثير على القرارات “السيادية”. . ومن تلك التي تربط بين الحامي الخارجي علاقة وثيقة أو بعيدة أو رسوم حماية أخرى بمختلف أشكالها وأشكالها.
نحن نعيش في عالم مثقوب
إذا ألقيت نظرة سريعة حول العالم، ستجد أن غالبية الدول “المستقلة” التي تندرج تحت راية الأمم المتحدة هي دول يمكن اعتبارها بها ثقوب، لكنها تختلف في حجم الفجوة ! أينما اتجهت، شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً، ستجد بلداناً مثقوبة بأدوات ووسائل وأساليب مختلفة. نادراً ما تجد دولاً ذات سيادة حقيقية في عالم اليوم، فلا يغرك حجم وقوة الدول عندما نتحدث عن هذا الموضوع.
ولا ينبغي للبلدان التي تعاني من الفجوات أن تكون صغيرة أو ضعيفة. بل إن الفجوات يمكن أن تحدث للدول الكبرى أيضاً، لكن الفرق يكمن في كيفية التعامل مع الفجوات، ومدى تأثيرها على ما تنتجه وتنتجه تلك الفجوات. ولا تجد اليوم دولة تخلو ساحاتها ومؤسساتها وميادينها من عملاء وجواسيس الدول الأخرى. والحقيقة أنك لا تجد رجالاً وقادة وقادة دولة غير متسللين بشكل أو بآخر.
إن اختراق الدول والأفراد عبر مختلف الوسائل أصبح أمراً سهلاً في عالم الاتصالات والتكنولوجيا الذي نعيشه الآن. فإذا لم يكن الاختراق عن طريق التكنولوجيا وأدواتها فلا شك أنه سيكون عن طريق الإنسان نفسه. ومن الممكن أن يحدث الاختراق عن طريق صديق أو زميل عمل أو تاجر أو عامل أو كثيرين آخرين.
الجميع يحاول أن يكون مبدعاً ومبدعاً في عالم التجسس والقرصنة سواء على مستوى الأفراد أو الشركات التجارية أو المؤسسات الدولية أو حتى الدول. لقد أصبح القرصنة فنًا ومهارة ومكسبًا لحزب القرصنة (بكسرة على الراء) وخسائر فادحة لحزب القرصنة (بفتحة على الراء).
ومن هنا ترى ظهور تخصصات جديدة في الدراسة الجامعية مثل الأمن السيبراني أو هندسته أو إدارته أو غيرها من التخصصات المرتبطة بهذا المجال، بالإضافة إلى ظهور حاجة الأقسام الأمنية إلى إنشاء أقسام خاصة بالأمن السيبراني، مهمة تلك الإدارات أو الوكالات هي العمل المستمر. فهو ماهر في إنشاء التحصينات والجدران التي تمنع الاقتحامات الفنية، بينما تستمر الأجهزة الأمنية التقليدية المعروفة بالطبع في متابعة الاقتحامات البشرية، أو الجواسيس والعملاء، إن جاز التعبير.
اعتمد الكيان الصهيوني منذ ظهوره على الخريطة على الآخرين لتحقيق رغباته وأطماعه
الصهيونية وصنع الثقوب
اعتمد الكيان الصهيوني منذ ظهوره على الخريطة على الآخرين لتحقيق رغباته وطموحاته، سواء كان هؤلاء الآخرون على شكل مؤيدين داعمين أو عملاء مارقين وخونة. والحقيقة أنني لا أشك لحظة واحدة في أن هذا الكيان نجح في خلق طابور خامس في أغلبية الدول التي يعتقد هذا الكيان وأنصاره أن الخطر قد ينبع منها. ولذلك أزعم أن غالبية الدول المحيطة بالكيان، وربما أبعد من ذلك أيضاً، مليئة بآلاف العملاء، سواء الصهاينة أو أبنائهم. تلك الدول!
وفي هذا السياق، ولعل أول ما يتبادر إلى الأذهان ونحن نشهد الأحداث المتسارعة في المنطقة، هو ما حدث لحزب الله اللبناني وقياداته، وقبلهم إيران ورموزها ومؤسساتها، من التغلغل الصهيوني من قبل الطرفين في عامة، حتى أصبحت نتائجها كارثية، ولا داعي لإعادة الحديث عنها وتوضيحها.
تاريخياً نجد أن الحوادث الكبرى، كسقوط المدن والعواصم والعواصم المهمة، كانت في الأساس بسبب الخيانات الداخلية، والتي كانت من الأسباب الرئيسية للسقوط. والحوادث التاريخية من هذا النوع كثيرة جدا ولا يسعنا أن نحصرها هنا، لكن الإشارة إلى بعضها مفيد، خاصة أننا نعيش ظروفا مشابهة للظروف التاريخية الماضية. ولعل المثال الأبرز هو سقوط بغداد في العصور القديمة، حيث كانت عاصمة العباسيين، أعظم حاضرة في العالم في ذلك الوقت. لقد كان سقوطًا مروعًا وكارثيًا. وبالفعل يعتبر من أبرز الأمثلة على دور الطابور الخامس.
وأصبح سقوط أهم عاصمة إسلامية في ذلك الوقت مرتبطا بالوزير ابن العلقمي الذي خان الخليفة وهيأ الأجواء لدخول المغول البرابرة، وما تبعه من إتلاف الزروع والماشية، في كارثة التاريخ لن ينسى. ولعل الظروف السياسية الراهنة في غالبية المنطقة العربية مهيأة لخروج العديد من الطابور الخامس من أوكارهم، ليعموا الفساد والدمار في الخارج.
ولكن مع كل ذلك، وخلاصة هذا الحديث، فإن انتشار العملاء وكثرة المتسللين لا يعني الاستسلام وتغلغل اليأس في النفوس. لا، ليس هذا هو المطلوب. فكلما زاد الحذر والحصافة والفطنة، كلما تأخر ظهور الفساد والمفسدين. وهذا الأمر يتطلب، إلى جانب الحذر والحصافة والفطنة، عملاً أمنياً علمياً دقيقاً، إضافة إلى الوعي المجتمعي المستمر، مع ترسيخ معاني الولاء لله والرسول والدين ثم الوطن. هذه هي عوامل استقرار أي مجتمع من اختراقات وظهور طوابير خامسة أو ما شابه ذلك من حيث الأساليب والأهداف. إن الوصية القرآنية (واحذروا) ليست إلا دعوة يجب ألا نهملها، أو من يحذرنا القرآن منهم.
وهناك الكثير منهم من حولنا!
الشرق قطر