بين عشية وضحاها تحول نتنياهو من هدف يتطلب الرجم والضرب واللطم لكيان العدو إلى ما يشبه «البطل» القومي، بعد أن كان رمزاً للفشل وسوء السمعة، ورمزاً لتدمير الكيان. وفي تحول لم يكاد يكلف الكيان قطرة دم واحدة، انقلب منتقدوه ومنتقدوه والمطالبون بإقالته. حوكم، بل واعتقل، وجر وراءه كل من كان يطالب بإزاحته عن المسرح السياسي. اختفت المعارضة، وصمتت أقلام وسهام النقد، وتحولت إلى ما يشبه العزف الجماعي في جوقة صارمة مهمتها تكرار النغمة المعدة مسبقاً. وسرعان ما انحاز كل من عارضه واستاء منه إلى “الرديدة” (باللهجة المصرية) الذين طالبوه بمزيد من “التقدم” في القضاء على حزب الله وكل بؤر المقاومة، ليس فقط بنزع سلاحهم، بل بقتل آخرهم. المقاتل فيها وآخر من ينتمي إلى حاضنتها الشعبية!
منذ أسبوع فقط أو أكثر بقليل، كان سهمه في الحضيض، وفجأة، بعد أن ضرب رأسه جدار المقاومة في غزة ومقاومة حاضنتها الشعبية، رفع شعار “أهل الشمال يعودون إلى بيوتهم” تم رفعه، وأضيف كهدف رابع إلى أهداف العدوان الثلاثة على غزة، ولم يتحقق أي منها، فجاء. ضرب «البيجر» وسكر الناس بنشوة الإنجاز، وتبعتها سكرات أخرى «بلغت ذروتها» باغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، و«القطيع» من خلفه يطالبونه بالمزيد، وهو كان، كما أفهمه، منتشيًا بما فعله، ويضحك في سره من الحيل التي “سحرهم” بها. !
ما فعله نتنياهو في أسبوع في لبنان، فشل في فعله في عام في غزة، ولا ينكر إلا المتكبرون أن هناك إنجازاً «تاريخياً» يسجل باسم القاتل المحترف، لكن السؤال هنا سؤال لم لم يفارقني منذ أن بدأ نتنياهو منعطفه الدرامي: ما الذي دفعه إلى هذا؟ هل هي مصلحته الشخصية أم مصلحة كيانه وجمهوره؟ ما الذي دفعه بعد “الصبر”! قبل عام من أن تقرر هموم حزب الله أن هذا الصبر قد نفد ويمضي في ما فعله؟
ما فعله نتنياهو في أسبوع في لبنان، فشل في فعله في عام في غزة، ولا ينكر إلا المتكبرون أن هناك إنجازاً «تاريخياً» سجل باسم القاتل المحترف، لكن السؤال هنا سؤال لم لم يفارقني منذ أن بدأ نتنياهو منعطفه الدرامي: ما الذي دفعه إلى هذا؟ هل هي مصلحته الشخصية أم مصلحة كيانه وجمهوره؟ ما الذي دفعه بعد “الصبر”! قبل عام من أن تقرر هموم حزب الله أن هذا الصبر قد نفد ويمضي في ما فعله؟
وفي التحليل النفسي والسياسي والتاريخي أيضاً، تحول نتنياهو إلى دكتاتور يتحكم في رقاب جمهوره، وتسيطر زوجته سارة والثنائي سموتريش وبن جفير على رقبته. قبل معركة طوفان الأقصى، أوصل نتنياهو الكيان إلى حافة الحرب الأهلية بسبب قصة التعديلات القضائية، التي تعني في جملة أمور التعدي على السلطة. القضائية وحصرها لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهي تعديلات على العرف القانوني تؤدي إلى كسر أحد أهم قواعد الديمقراطية، وهو الفصل بين السلطات والحفاظ على الاستقلال التام لكل سلطة، دون تعدي أي سلطة على غيرها. ونجح هو وفريقه المسيطر على برلمانهم، بأغلبية ضئيلة للغاية، في إقرار معظم هذه التعديلات أو كلها. وجاء الطوفان قبل أن يكتمل ما بدأه، لكن ما أنجزه كان كافياً لتحويله إلى «ملك» متوج أو دكتاتور يفعل ما يشاء، بأوامر سارة والثنائي المذكور. .
ولمن يستغرب سيطرة سارة عليه كأي دكتاتور في العالم الثالث، نذكره بما نشر عن تأثير هذه المرأة عليه وعلى قراراته السياسية، وقصة محاولة إقالة وزير حربيته ووزيره. وترشيح جدعون ساعر ليحل محله إلى حد بعيد، حيث نُشر أن سارة “وافقت” على تعيين ساعر. لقد استبدل جالانت، نعم هكذا، وباعتراف كتابهم ومحلليهم، ثم طويت صفحة التغييرات لأسباب كثيرة، حتى تم إدراج ساعر كوزير بلا وزارة ليكون وزيرا احتياطيا الحرب في حالة تمرد جالانت.
المهم هنا أن سارة يجب أن توافق على إقالة وزير وتعيين وزير مكانه. وهذه قصة معقدة تتعلق بخيانة نتنياهو لها واعتذاره مع قبول الشروط التي فرضتها عليه. وهنا تفاصيل لا مجال لذكرها. والمهم هنا الإشارة إلى مدى تدخلها في سياسات «الدولة». والمغزى هنا هو ما يهمنا، إذ لا توجد دولة ديمقراطية حقيقية تحكمها زوجة “الزعيم” إلا وهي جمهورية موز، وقد تحول الكيان أو كاد يتحول إلى هذا النوع من الديمقراطية الزائفة على يد نتنياهو وسارة. .
نحن كعرب حاربنا الكيان منذ سبعة عقود بالديمقراطية التي تحكمه والدكتاتورية التي تحكمنا، وفي الوقت الذي يتحول فيه الكيان إلى ما نعاني منه في البلاد العربية من داء الاستبداد، فإنه بدأ رحلته نحو السقوط بعد أن توج نفسه «سلطاناً» على الكيان. كتب الصحفي الصهيوني عوفر شيلح ذات يوم مقالاً بعنوان “الديمقراطية ليست للعرب” قال فيه: “لا يوجد إنسان عاقل في إسرائيل لا يخاف من عواقب الثورات العربية، وقد سمعت الكثيرين متحدثون في الدولة، ومن قطاع كبير من الرأي العام، أن الديمقراطية ليست للعرب. إنهم لا يستحقون ذلك، وما تحتاجه إسرائيل هو نظام عربي، وليس نظام ديمقراطي. باختصار، نحن نريد حكاماً عرباً دكتاتوريين، ومن مصلحتنا أن تكون بعض الدول العربية متخلفة في ظل الحكم الدكتاتوري.
لقد مر الوقت، وتحول نتنياهو بديكتاتوريته الجديدة إلى «فظيع»، يقود قطيعه إلى الهاوية، مخدوعاً بشعور النصر. فهو يقود “أغنامه” إلى المجهول، رغم ما يبدو الآن من فخر ونشوة بانتصاراته في لبنان وعربدته في اليمن وسوريا وغزة. والحقيقة أن مستوى غطرسته وصل إلى حد القول بأن ذلك سيغير الشرق الأوسط برمته
لقد مر الوقت، وتحول نتنياهو بديكتاتوريته الجديدة إلى «فظيع»، يقود قطيعه إلى الهاوية، مخدوعاً بشعور النصر. فهو يقود “أغنامه” إلى المجهول، رغم ما يبدو الآن من فخر ونشوة بانتصاراته في لبنان وعربدته في اليمن وسوريا وغزة. والحقيقة أن مستوى غطرسته قد وصل إلى أقصى الحدود. دفعه إلى القول بأنه سيغير الشرق الأوسط برمته، بينما جنوده يتحولون إلى بط في مرمى أسلحة المقاومة في غزة، يطاردونهم الواحد تلو الآخر، ولا ينجحون إلا في إظهار «رجولتهم» في قصف غزة. سكان الخيام وتفجير منازل ساكنيها عن بعد، عبر طيرانهم، أو من خلف أسوار الدبابات المدرعة.
لقد مر عام كامل وهم يضربون رؤوسهم بجدار غزة، ولم يرتكبوا إلا المزيد من الجرائم التي فاقت في بشاعتها كل الإبادة الجماعية والعقاب الجماعي التي سجلها التاريخ المعاصر. الحرب لم تنته بعد، ويبدو أنها لن تنتهي قبل أن تنكسر قوتهم. أما «انتصاراتهم» في لبنان التي سُكروا بها، فقد تكون كارثة عليهم. الحرب هي نقاش، والعبرة هي من يضحك أخيراً. الحساب مفتوح، ومن يظن أن حزب الله ومن حوله من محور المقاومة سيرفعون الراية البيضاء، فهو يعيش على وهم أحلام اليقظة.
ولمن يجهل الغنم فهو شيخ قطيع الغنم. وأصله شاة ابن زمانه لم يذق حليب أمه ولم يطعمها (أي لم يشرب لبن اللبأ الذي تفرزه الأم بعد الولادة). ينفصل الخروف عن أمه منذ ولادته، ويرضع من زجاجة توضع في بين رجلي حمار. ومع مرور الوقت يصبح الحمار مثل أمه وأبيه أينما ذهب، حيث يبقى حوله وخلفه. وفي مرحلة متقدمة من حياته يتم إخصاؤه والعناية به لجعله سمينًا، ويوضع جرس خاص يسمى “القرقة” حول رقبته. وتصبح مهمته قيادة القطيع خلف الحمار المدرب على السير نحو المرعى. كلما سار الحمار، يرن الجرس، وهو إشارة إلى أن القطيع يتبعه.
وتتبادر إلى الذهن هنا قصة وهي أن مرايا سار مع القطيع في منطقة وعرة حتى وصل إلى حافة واد عميق… ثم انزلقت قدماه وسقط في الوادي، وتبعه بقية القطيع – اقتداءً – واحداً تلو الآخر، إذ اعتادت النعاج والأغنام أن تُساق…!
مشهد آخر يرويه أحد زوار المسلخ حيث قال: ذهبت مع والدي ذات يوم إلى المسلخ فرأيت موقفا غريبا. رأيت مجموعة من الغنم عددها عشرين خروفاً يساقون إلى الذبح دون أن ينتبهوا أو يفكروا في الهروب، ولاحظت أنهم كانوا يتبعون خروفاً قد جعل لهم الراعي قائداً ليتبعوه، وكان هذا القائد مربوطة بحبل يمسكه الراعي. ولما وصل إلى مكان الذبح بدأ الدم يتطاير من تلك الأغنام، فذبحت جميعها ما عدا الزعيم. وبعد ذبحهم أخذ الراعي هذا القائد وعاد إلى حظيرته (بيت الغنم) سالماً معافى. فسألت أبي عن هذا الرجل يتبع الغنم حتى تذبح. فقال لي: هذا يسمى القطيع. ويتبعه باقي القطيع إلى أي مكان (!) ويستخدمه الراعي لجمع القطيع في كل مكان… حتى لو كان للذبح!