كثرت اللغط في الآونة الأخيرة، وكثر الحديث والجدل حول توصيف حزب الله ودعمه لغزة، في بعض الأوساط. تختلف خلفيات الجدل والنقاش، كما تختلف الأهداف والدوافع.
وتحدث البعض عن مشاركة الحزب في القتال في سوريا، وأنه استباح دماء السوريين وانتهك أعراضهم، وذهب آخرون إلى الإفتاء والتشكيك في النصوص الشرعية، قائلين إن الفرح والفرح بمقتل السوري أعضاء الحزب وتدمير منازلهم أمر طبيعي، وأن الحزب إذا حرر الأقصى وفلسطين فإن ذلك لن يغسله. من ذنوبه، ولا تخرجه من ضلاله وفجوره!
بينما تعمد فريق ثالث إخراج لسانه والسخرية من قتال الحزب، والاستهزاء بأمينه العام، وشتم رموزه، والاستخفاف بالمواقف التي أعلنها. الحزب هو الشيطان، ورجمه الآن هو أوجب واجبات الدين، ولا يقوم الإيمان إلا بهذا!
فالجدل والصخب ليسا في الغالب بريئين، وإن كان بعضهما تعبيرا عن سياق فطري لا يتحكم فيه العقل أو اعتبار المصلحة.
ولعل النظر إلى التوقيت، وثانياً، استيعاب العداء مع الحزب على حساب القضية الأهم، قضية نصرة المظلومين في غزة، يعطي صورة عما وراء الكلمات، لكل مجموعة من المتناظرين.
والمسألة المطروحة للنقاش الآن، والتي لا ينبغي إغفالها أو القفز عليها في هذا النقاش، هي ما إذا كان دعم حزب الله ودعمه لفلسطين وغزة اليوم، في ظل حالة المؤامرة والخيانة المتفشية، عربياً وإسلامياً، أمراً يستحق الإدانة. أو التقدير؟
بمعنى أنه لو كان الزمن غير الزمن الذي دمرت فيه غزة وسحقت القضية الفلسطينية، أو كان الأمر مجرد توضيح، ثم ذهب المتناظرون للقيام بواجباتهم تجاه القضية التي تمثل واجب الدولة. الوقت، فيكون الأمر في نطاق الإمكان، ويختلف الفقه.
والسؤال الأهم بعد ذلك وما قبله هو: هل القضية المطروحة اليوم، والتي تحظى بالأولوية في المناقشة والنظر، هي تقييم لأداء الحزب في سوريا، مدح أو إدانة له، أم أنها مناقشة لمعتقداته فيما إذا كان هل هم فاسدون أم على صراط مستقيم؟
أيها السادة، إن القضية المطروحة للنقاش الآن، والتي لا ينبغي إغفالها أو القفز عليها في هذا النقاش، هي ما إذا كان دعم حزب الله ودعمه لفلسطين وغزة اليوم، في ظل حالة المؤامرة والخيانة المتفشية، عربيا وإسلاميا، أمرا مستغربا. إدانة أم تقدير؟
وبالطبع فإن الدعم والنصر لا يكون بإعلان موقف لفظي، أو بالأغاني، بل بالدم وتعريض البيوت للخراب، في مواجهة أعتى قوى الشر في العالم.
هذه هي القضية الحاضرة اليوم، ومناقشة عقيدة الحزب ليس تأييداً أو إفساداً، وليس مناقشة موقفه من الحرب في سوريا، سواء مدحاً أو ذماً. هذه مسألة وتلك مسألة أخرى، وتزكية الحزب في هذا الأمر لا تقتضي تزكيته في ذلك الأمر مطلقا، وكل مسألة تكون لها الأولوية في وقت وجودها. وعندما يحين وقتها، ها هي تأخذ مناقشتها في سياقها العام والخاص. أما خلط الأمور وشن الحروب من منابر قتال الأعداء، أو بما يحقق أهدافهم ويدخل السرور إلى قلوبهم، فهذا سوء تقدير وضحالة تفكير، إن لم يكن عند البعض وغيرهم كثير.
وإذا كتب ربنا على كل خطوة تغيظ الأعداء الخير والأجر، فكذلك الإثم والعقاب نتيجة الخطوات التي تدخل السعادة والبهجة إلى قلوبهم.
وهذا ينطبق على كل الأعمال، صغيرها وكبيرها، فماذا لو كان الأمر في إطار حرب استئصال واستئصال، للمؤمنين الذين يقاتلون في القدس، وقد اجتمعت عليهم ضواحي القدس قوى الشر والطغيان؟ ما بك كيف تحكم!
فلنرفع عن غزة اليوم الظلم والقهر والقتل والإبادة الجماعية، وليذهب من شاء غدا أو بعد غد حيث يشاء، من النقاش والجدل.
كذلك دعونا نسأل أنفسنا: لو أن روسيا أو الصين أو فنزويلا أو هندوراس نهضت لدعم غزة وفلسطين في حرب الإبادة التي يواجهونها، فهل نرفع دهشةنا بالإشادة بعملهم، أم نتعمق في مواقفهم السابقة؟ التاريخ والمعتقدات وماذا فعلوا بحق فئة من أبناء الأمة؟ ضمن سياق طويل من الصراعات العالمية التي لا تتوقف على الزمن واتساع المكان؟
لينتهي الجدل، وليعي الجميع واجباتهم تجاه حرب الإبادة الجماعية المستمرة، والتي لا تتوقف تداعياتها عند حدود فلسطين، بل تطال المنطقة العربية والإسلامية برمتها، وربما ساهمت في رسم خريطة الطريق. مسار المنطقة وتحديد مستقبلها لعقود قادمة.
والثناء والتقدير هنا لموقف محدد، واضح الأبعاد والمكان والزمان والمضمون. موقف انتصار للحق ورفع الظلم عن شعب مباد، تخلى عنه القريب والبعيد، وكلما عظم الموقف المتخذ، زاد الثناء والتقدير للفاعل، على الفعل المحدد والمقدر، وهذا ولا علاقة له إطلاقاً بالتوصية بكل فعل يقوم به الفاعل، أو التوصية بمعتقده أو فكره أو عرقه أو جنسه، فالأمران مختلفان. وهم مختلفون.
لينتهي الجدل، وليعي الجميع واجباتهم تجاه حرب الإبادة الجماعية المستمرة، والتي لا تتوقف تداعياتها عند حدود فلسطين، بل تطال المنطقة العربية والإسلامية برمتها، وربما ساهمت في رسم خريطة الطريق. مسار المنطقة وتحديد مستقبلها لعقود قادمة.
ولنتذكر أنه عندما انخرط حزب الله في القتال في سوريا، كانت حماس من أعلى من أدان هذا التورط، وخاطرت بكل علاقاتها مع الحزب والحكومة السورية وإيران، وهم أكبر داعميه وداعميه في سوريا. المنطقة، وخاضت حرب 2014 وحدها، دون سند أو إسناد، ولم تنظر إلى الوراء. رغم أن الحرب في سوريا دخلت مجراها، إلا أن القوى الشريرة المستبدة استثمرت في دماء السوريين وقضيتهم، بهدف تدمير سوريا دولة وكياناً، وإخراجها من دائرة الصراع، واحتلالها. نفسها على مدى الخمسين سنة القادمة.
دعونا نتعلم ونقرأ المشهد من زاوية أوسع، وبفهم يسمح لنا بالدفاع عن أنفسنا وعدم خسارة قضايانا الواحدة تلو الأخرى.