وشهدت مصر ارتفاعا كبيرا في الأسعار، ما دفع العديد من المواطنين إلى طلب المساعدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشتكين من عدم قدرتهم على تحمل تكاليف المعيشة، خاصة في ظل تراجع الدخول.
لا شك أن العالم يواجه أزمة ارتفاع الأسعار منذ أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، ما دفع البنوك المركزية إلى تبني سياسة نقدية متشددة من خلال رفع أسعار الفائدة. ولم يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة ويتجه نحو سياسة نقدية تيسيرية حتى الشهر الجاري، عندما قرر خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس للمرة الأولى منذ عام 2020.
ورغم هذه الأبعاد العالمية، فإن الصورة في مصر لها أبعادها الخاصة. فمنذ أن سلمت الحكومة المصرية مقاليد الاقتصاد المصري لصندوق النقد الدولي، واستسلمت لشروطه، تحركت أكثر من مرة لتعويم الجنيه المصري، ورفع الدعم، وبيع أصول الدولة، وكان آخرها ما حدث قبل أيام قليلة عندما ارتفع سعر أسطوانة البوتاجاز من 50 جنيهاً إلى 150 جنيهاً. وستستمر هذه السياسة طالما استمرت قروض الصندوق، ولن يتم صرف هذه الشرائح من القروض إلا من خلال إجراءات فرضها الصندوق، وهي إجراءات باتت معروفة للجميع، مثل تعويم الجنيه، ورفع الدعم، وبيع الأصول، والتظاهر بتوفير الحماية الاجتماعية من خلال فتات الدعم، بينما في الواقع ضربتهم في مقتل.
وبالرجوع إلى البيانات الرسمية المصرية بشأن التضخم نجد أنه وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 10 سبتمبر 2024، سجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر 2.1% في أغسطس 2024، مقابل 1.6% في أغسطس 2023، و0.4% في يوليو 2024.
وسواء كانت هذه البيانات صحيحة أم مبالغ فيها فإن الواقع أصدق من البيانات الرسمية، فالمواطن المصري أصبح محاصرا في حياته ولم يعد قادرا على تلبية احتياجاته واحتياجات أسرته.
وعلى أساس سنوي، سجل معدل التضخم العام في المناطق الحضرية 26.2% في أغسطس/آب 2024، مقارنة بـ25.7% في يوليو/تموز 2024.
سجل معدل التغير الشهري في مؤشر أسعار المستهلك الأساسي الذي أعده البنك المركزي 0.9% في أغسطس 2024، مقارنة بـ 0.3% في أغسطس 2023، و-0.5% في يوليو 2024. وعلى أساس سنوي، سجل معدل التضخم الأساسي 25.1% في أغسطس 2024، مقارنة بـ 24.4% في يوليو 2024.
على أية حال، سواء كانت هذه البيانات صحيحة أو مبالغ فيها، فإن الواقع أصدق من البيانات الرسمية، فالمواطن المصري أصبح مكتظاً في حياته ولم يعد قادراً على تلبية احتياجاته واحتياجات أسرته، وفي المقابل هناك شعب آخر يعيش على الساحل الشمالي وينفق الملايين في رفاهية تفوق خيال الفقراء والمحتاجين والمعوزين.
للأسف الشديد الحكومة المصرية ليس لديها رؤية لمصلحة شعبها ولا توجه غير سحق المواطن الضعيف وتبديد ما تبقى من أصول كما بدد نهر النيل وليس ببعيد عنا كيف تم بيع رأس الحكمة للإمارات بثمن زهيد مقارنة بعظمة هذا المكان وضرب الأمن القومي المصري! رئيس الوزراء مصطفى مدبولي يريد بيع كل رأس في مصر لدرجة أنه أعلن أن الحكومة المصرية تسعى لتكرار هذه الاتفاقية وأنه تم تخصيص 5 مناطق على ساحل البحر الأحمر لعرضها على المستثمرين وأن أحد المواقع سيكون رأس بناس وهي شبه جزيرة في جنوب مصر تقع قبالة السعودية وهذا يأتي أيضا في ضوء ما قاله رئيس الوزراء أن صندوق الثروة السيادية للمملكة سيضخ 5 مليارات دولار وستكون أموالا جديدة وليست تحويلا للودائع السعودية الموجودة حاليا لدى البنك المركزي المصري وهذا أيضا يندرج ضمن ما تم الإعلان عنه عن رغبة السعودية في تطوير رأس جميلة في جنوب سيناء بمصر.
وهكذا يتجه التنافس الإماراتي السعودي على شراء المناطق السياحية المصرية إلى تحقيق مزيد من اقتصاد ريعي يستعبد البلاد والعباد، بعيداً عن الإنتاج الحقيقي للزراعة والصناعة بما يلبي احتياجات البلاد من السلع والخدمات، ويشغل العمالة المنتجة، ويحقق القيمة المضافة المجزية. بل إن رئيس الوزراء المصري أعلن أن مصر انتهت من مسودة اتفاقية حماية الاستثمار المصرية السعودية، وهي الاتفاقية التي تعكس في واقع الأمر انعدام الأمن والخوف لدى المستثمرين السعوديين على مستقبل الاقتصاد المصري.
إن السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة المصرية ليست أكثر من سياسة ترقيعية لن تحل مشكلة الاقتصاد المصري، وقد حان الوقت لاتخاذ خطوات إيجابية للحفاظ على ما تبقى في مصر من بشر وحجارة، وذلك بتسليم الاقتصاد للمتخصصين بشكل مؤسسي وليس بقرارات فردية، والتوقف تماما عن فتح باب الديون، بل وإعادة جدولة الديون القائمة، ووقف بيع الأصول، وتعزيز الاستثمار المحلي والاستثمار الأجنبي المباشر في المشاريع الإنتاجية.
والآن أصبحت الحكومة المصرية معروفة بخططها لبيع حصتها المتبقية في بنك الإسكندرية إلى بنك إنتيسا سان باولو، في أول عملية بيع كبرى لأصول الدولة منذ خفض قيمة الجنيه المصري في مارس/آذار. وسوف يتمكن البنك الإيطالي، الذي يمتلك بالفعل 80% من البنك، الآن من الاستحواذ على النسبة المتبقية البالغة 20%.
وتسعى الحكومة المصرية أيضًا إلى بيع سندات دولية في أقرب وقت ممكن خلال العام المالي الحالي لأول مرة منذ أواخر عام 2021. وقال وزير المالية أحمد كوجك إن البلاد تخطط لبيع نحو 3 مليارات دولار من الديون الخارجية على شرائح مختلفة خلال العام المالي حتى يونيو/حزيران المقبل.
إن السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة المصرية ليست أكثر من سياسة ترقيعية لن تحل مشكلة الاقتصاد المصري، وقد حان الوقت لاتخاذ خطوات إيجابية للحفاظ على ما تبقى في مصر من بشر وحجارة، وذلك بتسليم الاقتصاد للمتخصصين بشكل مؤسسي وليس بقرارات فردية، والتوقف تماما عن فتح باب الديون، بل وإعادة جدولة الديون القائمة، ووقف بيع الأصول، وتعزيز الاستثمار المحلي والاستثمار الأجنبي المباشر في المشاريع الإنتاجية التي تلبي احتياجات الداخل وتعزز الصادرات للخارج.