انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية صورة كالنار في الهشيم، هزت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، تداولها الصغار والكبار على حد سواء، تظهر مجموعة من الشباب جالسين بجوار سيارات القوات المساعدة المغربية، نصف عراة، وآثار الضرب واضحة على ظهورهم.
بين من نفى صحتها، وقال إنها «مفبركة»، ومن أكدها، وقال إن أغلب أدوات التحقق من الصور تكشف صحتها، ظلت الآراء متباينة، وتسارعت المنشورات والمنشورات المطالبة بالتحقق منها، مع ضرورة إصدار بيان رسمي بشأنها، بينما تساءل أغلب من شاركوها: «أين حقوق الإنسان، وأين الدولة الاجتماعية؟».
وفي ظل الصمت الرسمي، أعلن الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتطوان، إلى حدود اليوم الخميس، أن النيابة العامة أمرت بفتح تحقيق قضائي في الموضوع، للوقوف على صحة الوقائع وخلفيات نشر تلك الصور، والذي عهد به إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
وأكد في بيان رسمي، تلقت “عرب تايم” نسخة منه، أنه سيتم اتخاذ الآثار القانونية اللازمة فور انتهاء التحقيقات، وإعلام الرأي العام بالنتائج.
وحسب إحصائيات رسمية، تم اعتقال 4455 مهاجرا غير شرعي خلال العملية التي قادتها السلطات المغربية بمدينة الفنيدق ما بين 11 و16 سبتمبر/أيلول الماضي لمواجهة الراغبين في الهجرة غير الشرعية إلى سبتة المحتلة، من بينهم 141 قاصرا مغربيا و519 أجنبيا.
— عصام خيري (@issam_khairi) 14 سبتمبر 2024
كما أشارت المعطيات ذاتها إلى تسجيل 6 محاولات للتسلل إلى مدينة سبتة المحتلة، حيث تم اعتقال 70 شخصا بتهمة التحريض على الهجرة، من دول جنوب الصحراء، بينهم مغاربة وجزائريون، سيتم تقديمهم للعدالة.
الهجرة أم الاحتجاج؟
وسط تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تتحدث عن مواعيد هجرة سرية تبدو وكأنها علنية، خرج عدد من الشباب المغاربة، في مقاطع عدة، يتحدثون عما وصفوه بـ«اليأس والإحباط، من واقع معيش أصبح مكلفا للغاية، ولا يوفر فرص عمل تقدر جهود العاملين».
— تنجا7 (@Tanja7com) 19 سبتمبر 2024
🛑 يبدو أن الهجرة غير الشرعية أصبحت أمراً علنياً ويتم الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي.الأطفال يتعرضون للخداع والتلاعب من قبل أطراف مجهولة‼️
ويجب أن يكون التدخل قبل الأسرة والمدرسة والجمعيات التي دفنت، ومراكز الشباب التي أصبحت أطلالا.#الفنيدق pic.twitter.com/Aux7AaFQdP
— الرهيداني منير 🇲🇦 (@elrhidani) 15 سبتمبر 2024
وفي حين قال عدد آخر من المشاركين إن “الهجرة إلى أوروبا ليست حلا للهروب من الفقر وظروف العيش الصعبة”، وجه آخرون أصابع الاتهام إلى “حسابات مجهولة، ذات تفاعلات كثيرة، تحرض على الهجرة غير الشرعية بكل الوسائل الرقمية المتاحة، وتضخم الواقع المعيشي في المغرب، الذي قد لا يكون سيئا كما يتم الحديث عنه”.
“عرب تايم” تابعت عدة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام”، حيث كان أغلب متابعيها من القاصرين المشبعين بأفكار “حلم الهجرة”، وكانت أغلب التعليقات على المقاطع التي توثق رحلة الهجرة السرية، سباحة، لعدد من الشباب، على النحو التالي: “أنتم من يتبعون ونحن من نسبق”، “خاطر أو ارحل”، “الحلم الذي لا يتحقق يتحول إلى كابوس”.. وغيرها من العبارات التي تكشف عن “ظاهرة” بدأت تطارد العائلات.
هذا ما يحدث دائما لوالدينا، نسأل الله أن يغفر لنا.وقد جاء عدد من الأمهات والآباء إلى المدينة #الفنيدق من مختلف المدن المغربية، يبحثون عن أبنائهم وبناتهم الذين تم التغرير بهم من أجل “الحراك الجماعي 15 سبتمبر”.
الله يكون في عونهم يا رب 🤲 pic.twitter.com/3Pqu2HAepH– مهدي بلدي 🇲🇦 (@MahdiBaladi1) 15 سبتمبر 2024
— فرايال (@DF_DZ79) 15 سبتمبر 2024
في محاولة للإجابة على سؤال يتردد كثيرا على مختلف الصفحات التي تحرض على الهجرة غير الشرعية، وخاصة على منصة إنستغرام، وهو: هل تزايد الحديث عن الهجرة غير الشرعية من المغرب بسبب الرغبة في تحسين ظروف العيش هو نوع جديد من الاحتجاج؟ تواصلت عرب تايم مع المحلل السياسي المغربي حسن بلوان.
وقال بلوان إن “الأحداث الأخيرة شكلت صدمة على أكثر من صعيد، وتطرح تساؤلات حول تأخر مشاريع التنمية والتشغيل، وكذا البرامج التعليمية والثقافية والتوعوية…”، مؤكدا أن الأمر “بغض النظر عن المقاربات الهجرية التي انخرطت فيها المملكة المغربية بشكل فعال”.
وأضاف خبير العلاقات الدولية، في حديثه لـ”عرب تايم”، أن “الأحداث المؤسفة التي وقعت تتطلب إعادة النظر في مجموعة من أساليب العمل، لأن الخطر يكمن في تورط القاصرين في محاولات الهجرة، والأخطر من ذلك هو تورط أطراف خارجية، من أجل زعزعة الثقة في المؤسسات المغربية، وكذلك زرع الفتنة مع الجارة الشمالية إسبانيا، المعنية بالدرجة الأولى بملف الهجرة”.
عرض الأخبار ذات الصلة
وأوضح بلوان أن “هذا لا يعفي الحكومة المغربية الحالية من مسؤوليتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، خاصة مع فشل عدد من المشاريع التنموية وعدم إيجاد أجوبة حقيقية على معضلة التشغيل، ناهيك عن إعادة النظر في مهام التنشئة الاجتماعية الملقاة على عاتق الأسرة المغربية والمدرسة العمومية”.
وفي السياق ذاته، أضاف: «إن التفكير في الحلول الأمنية الرادعة هو تفكير محدود، ولا بد من حلول شاملة مفتاحها ومدخلها التنمية الاقتصادية والتطبيق الأمثل للدولة الاجتماعية كورشة ملكية قادرة على تغيير وجه المملكة والقضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي أخذت طابعا عاما، أو يمكننا أن نسميها الهجرة القسرية».
نزاع قانوني
وبالإضافة إلى ذلك، أصدر المغرب عددا من القوانين المتعلقة بالهجرة غير الشرعية والسرية منذ 21 عاما، حدد من خلالها العقوبات الإجمالية لمن يدان بالمشاركة في مثل هذه الأنشطة أو تنظيمها وتسهيلها.
القانون رقم 02.03 الصادر سنة 2003 وما زال ساري المفعول، تناول بالتفصيل كل الجوانب المتعلقة بالدخول إلى التراب الوطني والخروج منه، وخصص فصلا كاملا للأحكام العقابية المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، وميز بين المهاجر والمشارك في تنظيم عملية مغادرة التراب الوطني، وحدد عقوبات تتراوح بين شهر وستة أشهر للمتورطين في عملية الهجرة، بالإضافة إلى غرامات باهظة.
وينص القانون المغربي نفسه على عقوبات تتراوح بين عامين وعشرين عامًا وحتى السجن المؤبد للعصابات والمجموعات التي تساهم في تهجير الأفراد، مع غرامات تصل إلى مليون درهم في بعض الحالات.
وتنص المادة 50 من القانون على أن “كل من غادر التراب المغربي بطريقة غير شرعية، مستعملا وسيلة احتيالية للتهرب من تقديم الوثائق الرسمية اللازمة أثناء عبوره أحد المراكز الحدودية البرية أو البحرية أو الجوية، يعاقب بغرامة تتراوح بين 3000 و10000 درهم، وبالحبس من شهر إلى ستة أشهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”.
“أو عن طريق القيام بالإجراءات التي تقتضيها القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، أو عن طريق استعمال وثائق مزورة، أو انتحال اسم، وكذا كل شخص تسلل إلى التراب المغربي أو غادره عبر الموانئ أو عبر أماكن غير مراكز الحدود المعدة خصيصا لهذا الغرض”، تابعت نفس المادة القانونية.
لكن في سياق متصل، قال الخبير القانوني محمد ألمو: “إن أحداث 15 سبتمبر كشفت أننا أمام نزاع قانوني، باعتبار أن التشريع يربط الهجرة غير الشرعية بمغادرة التراب الوطني، بينما في هذه الحالة نعرف الوضع السياسي والدبلوماسي لمدينة سبتة المحتلة”.
وتابع المحامي المغربي في عدد من التصريحات الإعلامية أن محاولات الشباب المغربي دخول سبتة المحتلة تكشف “أننا لا نواجه هجرة غير شرعية وفق القانون الجنائي”، حسب تعبيره. وهذا الأمر فتح نقاشا آخر حول القوانين المعمول بها في المغرب المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، ومدى الحاجة اليوم إلى التحرك نحو تغييرها.
عرض الأخبار ذات الصلة
إلى ذلك، شهدت مدينة الفنيدق، ليلة الأحد 25 غشت، مطاردة بين قوات الأمن ومئات الشباب (مغاربة وجنسيات أخرى قدموا إلى المغرب بحثا عن فرصة للهجرة السرية)، حيث أحبطت محاولتهم للهجرة السرية سباحة؛ حيث حاولوا استغلال الضباب الكثيف وتدفق الزوار الذي تشهده المدينة، لمباغتة القوات المكلفة بحراسة الشواطئ وإلقاء أنفسهم في البحر.
المغرب
ماذا يحدث في #الفنيدقتستمر أكبر محاولة للهجرة الجماعية منذ حوالي شهر حتى يومنا هذا.
أعلنت أجهزة الأمن المغربية حالة الطوارئ في الفنيدق لتطويق الحدود مع مدينة سبتة المحتلة والتصدي لمحاولات الهجرة الجماعية. pic.twitter.com/HoK0A4tANy
– عبدالرحمن🚔| عبد الرحمن (@AAAX99X) 16 سبتمبر 2024
وعملت السلطات بالمنطقة بعد ذلك على وضع حواجز حديدية وتوزيع أعداد متزايدة من عناصر الأمن على طول الساحل لمنع استمرار محاولات الهجرة غير الشرعية، أو إبلاغ البحرية الملكية المغربية في حالة حدوث أي خروقات. وفي الوقت نفسه، جاءت محاولات الشباب للهجرة غير الشرعية التي أعلن عنها في 15 سبتمبر/أيلول بشكل غير متوقع، عبر السياج الحدودي، وليس عن طريق البحر.