الكاتب : صالح محروس محمد محمد
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي، الإمارات العربية المتحدة، 2023
عدد الصفحات: 208
نهج إسرائيل تجاه أفريقيا:
وفي بداية عام 1957 اتجهت إسرائيل إلى القارة الأفريقية عندما أصبحت الدولة المانحة للمساعدات الأفريقية، وتركزت المساعدات على الجوانب الفنية، ففي تنجانيقا بدأت مشروعاً زراعياً في موانزا، وكان ذلك أول خطوة إسرائيلية لاختراق القارة الأفريقية من خلال شركة التنمية الزراعية، وهي الشركة الحكومية الإسرائيلية المعنية بأنظمة الري وتحسين الإنتاج في المنطقة، ثم أنشأت شركات مشتركة في تنجانيقا وإسرائيل للمساهمة في تنمية واستصلاح الأراضي، وبناء القرى والمشاريع الزراعية، وهكذا حدث التغلغل الإسرائيلي في تنجانيقا، حيث قدمت إسرائيل القروض والمساعدات لها، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى تعزيز نفوذها في تنجانيقا، ومقاطعتها من قبل الدول العربية، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
ولكن حكومة شامتي، أو “حكومة الاستقلال”، كانت شديدة العداء لإسرائيل، وكانت تربطها علاقات قوية بمصر. وكان هناك نفوذ مصري عميق في زنجبار، ليس سياسياً فحسب، بل وثقافياً ودينياً أيضاً. وكان الزنجباريون يؤكدون على حق الفلسطينيين في دولتهم، وكانت صحيفة “موانجزي” باللغة العربية مشروعاً فلسطينياً للدفاع عن القضية الفلسطينية. ولكن إسرائيل لم تهمل النفوذ الكبير لزنجبار في شرق أفريقيا، حيث كانت تشكل نقطة مهمة في محور الدبلوماسية الإسرائيلية في شرق أفريقيا (ص 76).
لقد لعبت إسرائيل دوراً بارزاً في أحداث يناير 1964، وخططت لها بمساعدة بريطانيا، ونفذ خططها للانقلاب رجل الأعمال اليهودي ميشا فينسيبر، الذي نفذ خطة الحكومة الإسرائيلية لحماية عبيد كرومي ونقله إلى البر حتى لا يقتل، لأنه الشخص الأنسب للقيادة بعد الغزو. كما قدمت الحكومة الإسرائيلية الدعم المالي والسلاح لأوكيلو الأوغندي ورجل أعماله من خلال مكتب رجل الأعمال اليهودي ميشا، الذي كان صديقاً لعبد الله قاسم هنغا، الذي سافر إلى الجزائر وأقنع أحمد بن بلة، رئيس الجزائر آنذاك، بتزويده بالأسلحة، التي وصلت بالبحر ليلة الانقلاب. (ص 77)
وفي الفصل الثالث تناول المؤلف أحداث يناير الأسود في زنجبار عام 1964م بتفصيل كبير من خلال الوثائق، وكشفت الوثائق عن الضحايا واللاجئين العرب الذين بلغوا حد الجنون. وفي السنوات الأخيرة من الاحتلال البريطاني لسلطنة زنجبار تبين أنها أصبحت هدفاً للنفوذ الشيوعي الصيني في شرق أفريقيا، وانتقل العديد من الطلاب الصينيين إلى زنجبار التي تأثرت إلى حد كبير بالسياسات القائمة على المبادئ الاشتراكية. وأكدت بريطانيا علمها بذلك، واعتبرت القضية الشيوعية هي الأخطر في زنجبار، وهو ما كان يشكل خطراً على سياسة الولايات المتحدة الأميركية التي خشيت أن تتحول زنجبار إلى كوبا لأفريقيا. (ص 79)
إن الغزو الأجنبي الذي حدث لزنجبار في 12/1/1964م قام به أجنبي، ونفذه أجنبي بدعم محلي محدود. كان أوكيلو أوغندياً جاء للعمل في بيمبا في عام 1959م وانضم إلى الحزب الوطني الزنجباري، الذي تلقى منه مبلغ ثلاثين ألف دولار كمساعدة من الحزب الوطني الزنجباري الذي اعتبره لا قيمة له. وفي الوقت الذي كان الحزب الوطني يدعو إلى وحدة الشعب الزنجباري، كان يدعو سراً إلى وحدة الأفارقة ضد الاستعمار العربي. واتفق مع قيادة الحزب على أنه ينوي تشكيل قوة ثورية من رجال اتحاد الأفروشيرازيين ضد العرب، وجمع رجالاً من اتحاد عمال زنجبار وبيمبا، وكذلك من فدائيي الحزب الأفروشيرازيين، وكان أغلبهم من أبناء الأرض، وليسوا من القوى السياسية القائمة. (ص 94)
وفي زنجبار عزز أوكيلو علاقته بالشرطة، فكان يعرف أماكن الأسلحة ومراكز الشرطة في زنجبار ومخازن الأسلحة، وعزز علاقته بسيف بكري رئيس اتحاد شباب حزب أفروشيرازي، وكانت كل النقابات العمالية تحت سيطرة الفلاحين المتحالفين مع حزب أفروشيرازي، وكان يعتمد عليهم وليس على الأفارقة في زنجبار، وقال: “أنا أثق في الفلاحين، ولكن الأفارقة في زنجبار لديهم ولاءات وارتباطات قديمة مع العرب، لذلك كانت معظم قواته من البر، مما جعلنا نسمي ما حدث غزوا أجنبيا”. وكانت مجموعته الأولى تتكون من 27 كينيا، و2 من روديسيا، و4 من تنجانيقا، و1 من موزمبيق، و3 من أوغندا، و2 من ملاوي، و2 من زنجبار، وكانت نواة جيش أوكيلو الخاص 42 مرتزقا. وعندما بدأ هجومه وصل عددهم إلى نحو 1500 رجل، معظمهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً، والذين كانوا عاطلين عن العمل (ص 95).
أدى الغزو الأجنبي لزنجبار في عام 1964 إلى تغيير جذري في من يحكم جمهورية زنجبار وبمبا، مما أنهى حكم العمانيين الذي استمر قرابة ثلاثة قرون منذ وصول الياروبا لمحاربة البرتغال بعد أن طلبت الإمارات في شرق أفريقيا مساعدتهم في ستينيات القرن السابع عشر.
الحقيقة أن هناك فرقاً في عدد القتلى والمعتقلين، وكذلك في عدد اللاجئين نتيجة للانقلاب الموجه ضد العرب. فقد نهبت محلاتهم، وأصبحت كلمة عربي مبرراً لرجال أوكيلو لقتل ونهب واغتصاب النساء. يقول بيترسون: “خلال الأحداث، وبحلول نهاية الأسبوع الأول من اندلاع الحرب، فر أكثر من 2000 عربي من زنجبار إلى المعسكرات. كانت الظروف في المعسكرات سيئة للغاية ومرعبة”. ما تعرضوا له هو الإبادة الجماعية لأنهم عرب. قُتل في أحداث زنجبار حوالي 5000 شخص، معظمهم من العرب، وتشرد العرب مثلهم. (ص 106)
ويضيف الكاتب أن العرب كانوا يساقون في مجموعات ليقتلهم رجال أوكيلو ويعتقلوهم، ويقول: “لقد تجاوز عدد القتلى عشرين ألف عربي، ويشرح كيف جمع رجال أوكيلو جثث القتلى في عربات النقل وألقوا بها في مقابر جماعية مثل القمامة، ويشرح تجاهل وسائل الإعلام وحقوق الإنسان والأمم المتحدة للمذبحة، ويضيف الكاتب: “لجأ العديد من الأفراد إلى مومباسا، ثم دار السلام في البر الأفريقي، وكانت الحكومة الكينية مستعدة لنقل اللاجئين، ووصل السلطان وحاشيته إلى مومباسا على متن سفينة السيد خليفة دون سابق إنذار، وأدركت الحكومة الكينية بسرعة أن وجود السيد سلطان قد يستفز المجموعة العربية هناك”. ثم وافقت الحكومة الكينية على نقل السلطان بالسفن إلى لندن في 17 يناير 1964، ومُنح السلطان وعائلته اللجوء السياسي بشرط عدم المقاومة أو العودة إلى زنجبار مدى الحياة. (ص 106)
كان الموقف الأميركي من انقلاب 1964 مرتبطاً بما عرف بالحرب الباردة. ففي عام 1960 حققت الشيوعية نجاحاً في الجزائر وكوبا وفيتنام الشمالية. وكانت الولايات المتحدة قلقة من انتشار الاشتراكية في زنجبار. وكانت قد حصلت في وقت سابق على موافقة بريطانيا على إنشاء قاعدة صواريخ أميركية لوكالة ناسا في زنجبار. واعترفت الولايات المتحدة بدولة زنجبار الجديدة بقيادة عبيد كرومي في عام 1964، وسارعت إسرائيل إلى الاعتراف بدولة زنجبار. (ص 122)
أدى الغزو الأجنبي لزنجبار عام 1964 إلى تغيير جذري في من يحكم جمهورية زنجبار وبمبا، حيث انتهى الحكم العماني الذي دام نحو ثلاثة قرون منذ وصول اليعاربة لمحاربة البرتغال بعد أن استعانت بهم إمارات شرق أفريقيا في ستينيات القرن السابع عشر، ثم آل بوسعيد في النصف الأول من القرن الثامن عشر حتى 12/1/1964، حيث لعبت بريطانيا دوراً في القضاء على هذه الأسرة، ومساعدة أوكيلو في تنفيذ الانقلاب، كما ساهمت إسرائيل في القضاء على الحكم العربي في زنجبار، حيث ساعدت الثوار بالمال والسلاح من أجل القضاء على الدولة التي كانت تسعى إلى إقامة علاقات مع الرئيس عبد الناصر العدو اللدود لإسرائيل، وتقويض الدولة المصرية. (134 صفحة)
لقد قامت بريطانيا بنشر دعاية خبيثة ضد العرب لزرع بذور الكراهية والحقد ضدهم، وتصويرهم كتجار رقيق، فقاموا بصنع تماثيل تظهر أن العربي يجر الأفريقي مقيداً بالسلاسل إلى سوق الرقيق، بالإضافة إلى أنهم كانوا الملاك الوحيدين للأراضي ومزارعي القرنفل والنخبة، وأن الأفارقة لم يتمكنوا من العثور على طعام أو فرص عمل.
كما قدمت الحكومة الإسرائيلية الدعم المالي والسلاح للأجنبي الأوغندي أوكيلو ورجاله عن طريق مكتب رجل الأعمال اليهودي ميشا فينسيبر، ولحزب نيريري في تنجانيقا عن طريق أوسكار كامبونا، الأمين العام للحزب الوطني التنجانيقي، الذي كان صديقاً شخصياً لعبد الله قاسم هانجا (الذي كانت له علاقات بإسرائيل من خلال السفارة الإسرائيلية في دار السلام)، والذي سافر إلى الجزائر وأقنع أحمد بن بيلو، الرئيس الجزائري آنذاك، بتزويده بالسلاح بحجة استخدامه تحت قيادة لجنة الحرية التي كان رئيساً لها. وبالفعل أبحرت ليلة الانقلاب سفينة محملة بالأسلحة تحمل اسم ابن خلدون بالإضافة إلى الأسلحة التي جاءت من إسرائيل إلى السفارة الإسرائيلية في دار السلام.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها دراسة توثيقية تتناول أحداث عام 1964م في زنجبار من مصادر متعددة تناولت التحريف الذي حدث فيما جرى، وقلب الحقائق، وخاصة الدراسات الغربية حول الأحداث، كما اعتمد الباحث على ملفين من الأرشيف البريطاني، ووثائق استخباراتية أمريكية حول تلك الأحداث.
ويختم المؤلف دراسته بقوله: “إن هذه صفحة مهمة في صفحات التاريخ العربي الحديث والمعاصر والتخطيط الغربي لمحو كل ما هو عربي وإسلامي ومحاولة القضاء على الدول العربية الواحدة تلو الأخرى وضرب المناطق الحيوية والغنية في الدول العربية، ومن عجائب القدر أن يكافأ العرب الذين قادوا الحركة الوطنية وسعوا إلى استقلال زنجبار بالقتل والتهجير وطردهم من بلادهم التي سعوا إلى تحريرها”.
اقرأ أيضًا: كيف انتهت الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (1 من 2)