لم يكن شاعراً فحسب، وإن كان يتقنه، بل آمن بالعمل من أجل فلسطين، فكان مربياً وباحثاً وصحافياً وقائداً ومرشداً حتى آخر أيامه، يستجيب لنداءات الاستغاثة، ويسد الفراغ في الإدارة والتعليم والصحافة.
لقد آمن شاعرنا بالعمل أكثر من القول، وكتب عن ذلك نثراً، وكأنه يحاكي الوضع في أيامنا هذه. وأجد نفسي في عجلة من أمري لأنشر هنا مقتطفاً قصيراً من مقالة أدبية نشرها عن الخطابة المنمقة والخطب البليغة في المؤتمرات. وقد أنهى حديثه بالفقرة التالية: .. إننا يا صديقي نحتاج إلى شيء واحد. وهو .. أن نغلق أفواهنا إلى الأبد، وأن نصم آذاننا .. إلا أن نسمع قائد الكتيبة التي تقتحم النار، لتغسل العار، لتنتقم.
هو الشاعر والصحفي يوسف جمعة النجار، من مواليد مدينة القدس عام 1921، عاصر الشعراء إبراهيم طوقان ورفاقه… وكتب الشعر والنثر والدراسات القيمة عن فلسطين والهوية.
أنهى النجار تعليمه الابتدائي والثانوي في مدرسة روضة المعارف الوطنية ونال شهادتها سنة 1936م، وهي مدرسة اهتم بها المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وجعل مبناها جزءاً من أوقاف المسجد الأقصى، وتخرج منها الشهيد عبد القادر الحسيني سنة 1927م، وانعقد فيها المؤتمر الإسلامي العام سنة 1931م، وفي هذه الأجواء نشأ شاعرنا وبدأ يكتسب العلم والحياة في القدس.
ثم انتقل النجار إلى القاهرة والتحق بكلية أصول الدين قسم الفلسفة والدراسات الإسلامية وحصل على الإجازة في التربية وعلم النفس سنة 1942م.
وكغيره ممن التحقوا بالأزهر، ترك «جماعة النهضة» ورفاق الشاعر إبراهيم طوقان الذين التحقوا بالكليات العربية في دمشق أو الجامعة الأميركية في بيروت، فلم يكن يظهر في مجالسها، ولم يمش في موكبها، ولم يجرفه تيارها.
ولم يقتصر تعليمه خلال دراسته في القاهرة على المنهج الجامعي، بل عمل على تعميق تخصصه وتنمية مهاراته، فدرس الخط العربي وحصل على دبلومة متخصصة فيه من المدرسة الملكية لتحسين الخطوط بالقاهرة سنة 1942م، وقيل إنه حقق في الخط العربي ما حققه ابن مقلة الكاتب الذي اشتهر بخطه الجيد.
عاد إلى القدس وعمل في دائرة الأوقاف مساعداً للمدير العام، كما عُين في المجلس الإسلامي الأعلى مساعداً للأمين، ثم أصبح أميناً له بعد انتهاء الانتداب، ثم أصبح نائباً لمدير عام الأوقاف عدة مرات وفي فترات مختلفة.
وبعد النكبة، وخلال سنوات الأزمات، عمل عام 1950 سكرتيراً لمحافظ القدس، وعندما تشكلت الإدارة المدنية انتقل إلى مهنة التدريس، فعمل مدرساً للغة العربية في الكلية الوطنية في رام الله عامي 1951 و1952، ثم التحق بالكلية الإبراهيمية في القدس مدرساً للفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع، وقام خلال تلك الفترة بتأليف الكتب المدرسية في المواد التي يدرسها.
وقد كتب النجار القصيدة بالشعر الشعبي والحر، وتناول شعره أغراضاً ومعاني مختلفة، من الوطنية إلى الاجتماعية، مروراً بالمناسبات الأخوية والخاصة.
أما على صعيد الصحافة فقد ترأس هيئة تحرير صحيفة «فلسطين» عندما عادت للصدور في القدس بعد انتهاء الانتداب، ولم يتمكن صاحبها رجا العيسى من الوصول إليها بعد احتلال مكاتبها في معارك النكبة في حيفا.
كان النجار محرراً لصحيفة البعث اليومية، وكان رئيساً لتحرير صحيفة الجهاد اليومية في القدس حتى عام 1965، كما شارك في تحرير صحيفة المساء المقدسية، ونشر فيها القصص القصيرة والخواطر النثرية.
انتخب عضواً في مجلس بلدية القدس ونائباً لرئيس جمعية تنظيم وحماية الأسرة الأردنية.
وفي عام 1979 اختارته منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة رئيساً فخرياً لها، تقديراً لخدماته ولكونه أول عضو من المنطقة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا المشتركة منذ عام 1964. وكانت هذه آخر فترة له في النشاط الاجتماعي، حيث توفي عام 1982.
أعماله:
المنطق القديم والحديث (كتاب مدرسي)
مبادئ علم الاجتماع (كتاب مدرسي)
– دراسات في الفلسفة (كتاب مدرسي)
دراسات في الاحتكار وتقييمه
أساليبنا في التعبير من خلال القواعد والبلاغة.
دراسات في النصوص (مخطوطة)
– الإسرائيليات: رسالة أعدها بعد تخرجه من الأزهر في أربعة مجلدات للحصول على درجة الأستاذية، وقد ضاعت هذه الرسالة بين أيدي عصابات الاحتلال التي صادرت كل شيء في الأحياء العربية في القدس.
من شعره
قصيدة تهنئة لصديق بمناسبة خطوبته
تدفق طوفان من الحنان من أوتاره… عندما تحدث إلى رغباته على جيتاره.
سقط صداها في القلوب، نقيًا كنسيم في ساعاته الأولى.
عبقري مثل لحن الفجر غنى الحياة في صباحها الباكر
ما أروع النشوة التي سرت في طيات حديقة الربيع في أزهارها
لقد سُرّ طائره وبدأ في الغناء… منادياً بجمال شهر مارس.
يا حبيبي موسى تقبل مني.. قلباً يفيض طوعاً لا كرهاً.
يا سليل السموات تحياتي لك… بابتسامة كالفجر في طلوعه
نحمل إليك أغاني التهنئة، وننشر عليك أنقى النضارة
أسأل الله أن يجعل ليلة زفافكم مباركة، وأن يجني ثمارها أدنى الدرجات.
قصيدة “المآذن الشاهقة”
بقوة كبيرة ورأي سليم وعزيمة حديدية وفكر عقلاني
وقلب يتوق إلى المجد القديم… والشرف القادم المؤكد والمجيد
وشعب يقاتل كي لا يهلك… والسهول واليد تعيش في مجد
لماذا لا نستعد ولماذا لا نعيد زمن الكبرياء ورفع المصطلحات؟
كنا نقود، كنا نحكم، كنا نبني، كنا نشيد
نرفع المنارات ونضيء القصائد… ليبقى حامينا مهيباً قوياً
قوية، طازجة، فخورة، فريدة من نوعها… شابة، عجوز، نساء وفتيات
*كاتب وشاعر فلسطيني