المكلا (العرب تايم) العرب
وتعتبر المملكة المتحدة اليوم مركزاً للإخوان المسلمين في العالم. ومنذ الخمسينيات، استقبلت قيادات إخوانية من مصر بعد قيود جمال عبد الناصر، ثم جاءت جحافل الإخوان من تونس وليبيا ودول عربية أخرى، وهناك توسعت الجماعة ورسخت وجودها.
وظهرت أجيال إخوانية شابة، تحمل الجنسية البريطانية، وتتحدث الإنجليزية، وتتمتع بمزايا المواطنين البريطانيين، على غرار الإخوان الأوروبيين، مستخدمين ذلك لخدمة أجندة إخوانية عمرها أكثر من 80 عامًا.
إن اكتشاف هذه الحقيقة تطلب سنوات من الفوضى، إضافة إلى الإرهاب الذي ضرب بريطانيا وأوروبا والعالم، لتستيقظ بريطانيا على هذا الخطر الذي تسببت فيه ذات يوم ثم أزالته.
ورغم الجهود الأخيرة لتقييد جماعة الإخوان وإغلاق بعض مؤسساتها، يؤكد العقيد تيم كولينز، مؤسس منظمة القرن الجديد لمكافحة الإرهاب، أنهم “يستخدمون جمعيات ومؤسسات تمنحهم نفوذا وحجما أكبر مما هم عليه في الواقع”.
التصعيد البريطاني
وتأتي تصريحات كولينز ضمن موجة متصاعدة تشهدها بريطانيا تهدف إلى إرسال إشارات قوية حول حدوث تغيير جوهري في سياستها فيما يتعلق بالتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وربط أنشطتهم بشكل مباشر بالإرهاب.
ومداخلة الخبير البريطاني في مكافحة الإرهاب تستمد قوة حجتها من التقارير السابقة التي تناولت موضوع جماعة الإخوان، وأبرزها التحقيق الذي أجراه السير جون جينكينز، السفير البريطاني السابق في الرياض، للتدقيق في أنشطة التنظيم في بريطانيا والولايات المتحدة. الأيديولوجية التي يروج لها.
العقيد تيم كولينز:
ويرفض أردوغان إعادة الإخوان رغم مطالبة بلادهم لهم، وفي الوقت نفسه يطلب من أمريكا تسليم غولن على أساس أنه “إرهابي” ويغضب لعدم استجابتها لطلبه.
وفي عام 2014، أمر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون بإجراء هذا التحقيق، الذي خلص بعد نحو 20 شهرا من البحث والمتابعة إلى أن “الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين هو بداية الطريق نحو التطرف”.
وأشار كولينز إلى ذلك، مشيراً خلال مداخلته إلى أن تقرير السير جنكينز أكد تورط جماعة الإخوان في أعمال متطرفة، وأنهم تنظيم يستغل الدين لأغراض سياسية ويسعى إلى إقامة دولته دون احترام المكونات الأخرى.
وقال كولينز إن تقرير جنكيز تضمن وثائق تؤكد أن جماعة الإخوان لم تكن جماعة موثوقة، حيث استخدم الإخوان لغتين لمخاطبة الآخرين، وكانت كتاباتهم وخطابهم للغرب باللغة الإنجليزية يختلف بشكل كبير عن خطابهم لجمهورهم باللغة العربية .
وأضاف: “إذا نظرنا إلى فكر الإخوان نجد أنهم جماعة متطرفة تدعو إلى العنف، وهذا ما أثبتته تجربتهم في مصر. وبطبيعة الحال، لم يقتصر تأثيرهم على مصر والعالم العربي والإسلامي”. المناطق، بل امتد نفوذهم إلى الدول الغربية”.
وعن عملهم في أوروبا، أكد كولينز أن “الإخوان استغلوا المنظمات والجمعيات الخيرية المسجلة في الغرب لتمويل أعمالهم ونشاطهم السياسي وغيرها من الأنشطة”.
وأشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم يمكنها اللعب بعقول بعض المواطنين المسلمين المقيمين في الغرب وتحويلهم إلى أشخاص خطرين مستعدين للقيام بأعمال تضر أوطانهم.
ويمكنهم أيضًا تقديم الدعم للمجرمين المستعدين لتنفيذ أعمال خطيرة ضد أوطانهم الجديدة في الغرب.
وتدعي جماعة الإخوان المسلمين أنها تمثل المسلمين في الغرب والدول العربية، كما أبدت رغبتها في الدخول في حوار مع الحكومات الأوروبية، لكن كولينز اعتبر جماعة الإخوان تنظيما سريا له أجنداته الخفية التي لا تتطابق مع ما هو عليه. مزاعم في خطابها للغرب.
وأضاف أن قيم جماعة الإخوان المسلمين تدعم التطرف والأعمال الإرهابية ولا تتوافق بالطبع مع القيم الموجودة في الغرب. ولا يحترمون حقوق الإنسان والقوانين الاجتماعية والحريات، ولا يهتمون بقيم التسامح.
وأوضح كولينز أن الإخوان يفسرون القرآن وفقا لرغباتهم ومصالحهم السياسية بما يخدم تنظيمهم بعيدا عن قيم الإسلام التسامح. على سبيل المثال، يتحدثون عن دار السلام ودار الحرب. ووفقاً لهذا المنطق فإن دار السلام هي دار المسلمين، ودار الحرب هي أرض الغرب.
ورأينا خطباءهم على المنابر يدعون إلى الجهاد، وهو عندهم جائز على كل غير مسلم.
وأكد أن تنظيم الإخوان يسعى إلى نفي القيم العلمانية وتبني مفهوم ديني بحت. وفي مصر، بعد سقوط نظام حسني مبارك، قالوا إن القرآن هو دستورنا.
أما في تونس، فبحسب تقدير كولينز، كان رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، مختلفا قليلا عن الإخوان في مصر. وأضاف: “لكن يجب ألا نأخذ الأمور بما يعلنه الإخوان لا في تونس ولا في مصر، بل يجب أن ننظر إلى فكرهم المتطرف”.
قطر وتركيا
وبعد أحداث الربيع العربي التي فتحت الباب واسعا أمام جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق حلم الوصول إلى السلطة في مسقط رأسهم مصر، ومن ثم التوسع إلى بقية دول العالم العربي والإسلامي، لعبت تركيا وقطر دورا كبيرا في هذا المشروع الذي انتهى بالفشل الذريع، والذي تدفع اليوم تركيا وقطر ثمنه.
وهدفت الحلقة النقاشية في مجلس اللوردات إلى تحديد مدى الدور القطري والتركي في دعم الأجندة المتطرفة التي تتبناها جماعة الإخوان، وحجم الدعم الذي تقدمانه لها.
تكشف لهم
وتطرق العقيد تيم كولينز إلى ذلك متحدثا عن الدور التركي ومدى استغلال الرئيس رجب طيب أردوغان لتأخر أمريكا في إدراج جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب، فدعمهم وساعدهم على التوسع في العالمين العربي والغربي.
وأشار كولينز إلى أن أردوغان يستقبل أعدادا كبيرة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من معظم الدول العربية في تركيا ويرفض إعادتهم إلى بلدانهم رغم مطالبة بلادهم لهم.
وفي الوقت نفسه، وبطريقة متناقضة تماماً، يطلب أردوغان من أمريكا تسليم غولن على أساس أنه “إرهابي”، ويعرب عن استيائه لأن الجانب الأمريكي لم يستجب له.
ولم يتوقف الأمر عند تمكين الإخوان في الخارج، إذ عمل أردوغان، بحسب كولينز، من خلال جماعة الإخوان المسلمين على تغيير شكل تركيا التي عرفناها من دولة أتاتورك علمانية إلى دولة أقرب إلى الإسلام.
وعملت جماعة أردوغان في تركيا على تغيير عقلية الأجيال الجديدة من خلال مخاطبتهم بالخطاب الديني، خاصة في الريف والمناطق الفقيرة، حتى اكتسب شعبية كبيرة بينهم ومكنته من الوصول إلى السلطة.
ويرى كولينز أن هناك تناقضات في أردوغان. فبينما كان يدعو الإخوان في مصر إلى تبني العلمانية، كان يحول تركيا العلمانية إلى إسلامية.
ولو افترضنا حقاً أن الإخوان المصريين، بدعم من تركيا، التزموا بدعوات أردوغان وتبنوا العلمانية كمفهوم للدولة المصرية، فلن نجدهم في السجون الآن.
أما قطر فقد استقبلت الدوحة الإخوان وتعاونت معهم منذ الخمسينيات. وبعد فرار الإخوان من مصر في عهد جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، تبنتهم قطر ومولتهم ودعمتهم. وعملت على نشر مفهوم الإخوان. كما تستضيف قطر أحد أبرز وجوه الإخوان، يوسف القرضاوي، الذي يدعو من الدوحة إلى التطرف ويحث على الجهاد والعمليات الانتحارية ضد الأعداء.
ويرى القرضاوي أن الإسلام سيأتي إلى الغرب مرة أخرى فاتحا ومنتصرا من خلال نشر فكر الإخوان المسلمين. وفي تلميح لاتهام قطر بتمويل جماعة الإخوان، أكد كولينز أن إحدى أكبر المشاكل التي يعاني منها الغرب الآن هي كيفية منع تمويل الإرهاب، حيث وصلت 165 مليون يورو إلى جماعة الإخوان في أوروبا.
وقال كولينز إن أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني أعطى دار الإسلام 20 مليون يورو لبناء مسجد في كوبنهاغن، وهي جماعة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، فرع حماس في الدنمارك. جماعة الإخوان تنظيم متنوع يضم العديد من التنظيمات التي تظهر باسمها في العلن، لكنها في النهاية كلها إخوانية مسلمة. وهناك اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا الذي يسعى إلى بناء مركز ديني لهم لنشر أفكارهم وأيديولوجياتهم.
وفي بريطانيا وصل نحو 25 مليون جنيه لتمويل جماعة الإخوان، تم تقديم بعضها للجامعات البريطانية (قسم الدراسات الإسلامية) للحفاظ على ارتباطها بالإخوان. ويقول كولينز إن يوسف القرضاوي دعا إلى دعم هذه الأقسام الإسلامية في الجامعات البريطانية، وأرسل أمير قطر نحو 2.8 مليون جنيه إسترليني إلى قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد عن طريق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
كما قدمت قطر 15 مليون يورو عبر منظمات وجمعيات قطرية ذهبت إلى جماعة الإخوان في بريطانيا، الذين استخدموا جزءا من الأموال لبناء مركز إسلامي في شيفيلد. وسيكون لهذه المراكز الإسلامية، التي تخضع لإشراف وإدارة الإخوان، دور معرقل لاندماج المسلمين في أوروبا.
وحظيت المداخلة باهتمام كبير في ظل تصاعد المواقف التي تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات حاسمة ضد الإخوان والمتطرفين الذين استغلوا سياسة التسامح واستقبال بريطانيا لهم كلاجئين سياسيين ومواطنين فروا من قيود النظام على مصر. ليمارسوا داخل بريطانيا الفوضى التي علم بها قادة الأنظمة في بلدانهم، فقطعوا الطريق أمامهم.
Discussion about this post