مع فجر الساعات عرب تايمى من شهر سبتمبر الجاري، كان اليمنيون على موعد مع بدء احتفالاتهم بالشهر الذي شهد ثورة 26 سبتمبر 1962م، على خلاف ما جرت عليه العادة منذ عدة عقود، والتي كانت تتم في الأيام القليلة التي تسبق هذا التاريخ وتقتصر على الاحتفال الرسمي عبر ما عرف باللجنة العليا للاحتفالات وفروعها بالمحافظات.
وتزايد الاهتمام والاحتفاء الشعبي في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انقلاب ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني في 21 سبتمبر/أيلول 2014، حيث اجتاحت العاصمة صنعاء، واستولت على مؤسسات الدولة، وأدخلت البلاد في حرب لم تتوقف، راح ضحيتها مئات الآلاف من اليمنيين بين قتيل وجريح، وملايين النازحين، وحاولت تطييف المجتمع، وحاولت أيضاً وتحاول القضاء على الإنجازات التي حققها اليمنيون خلال العقود الخمسة منذ الثورة اليمنية.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة مكثفة تبشر بقدوم الشهر الفضيل (سبتمبر)، وهنأ بعضهم بظهوره المجيد شهراً مباركاً عند اليمنيين. وكتب الناشط الإعلامي بمحافظة مأرب عبدالله أبو سعد مخاطباً اليمنيين: “عظموا شعائر سبتمبر في قلوبكم وعيشوا أفراحه ومناسباته واستلهموا من ثورة 26 سبتمبر معاني الكرامة والحرية وكل قيمها المباركة”.
ويرى وكيل وزارة الثقافة زايد جابر أن ثورة 62 سبتمبر كانت الحدث الأهم في تاريخ اليمن ككل، ومنذ أن بدأت مخاطر الإمامة المتمثلة بنسختها الجديدة (حركة الحوثي) تهدد هذا المنجز الكبير، بدأ الشعب بكل فئاته يدرك أهميتها ومخاطر تبديد مكاسبها، خاصة بعد سقوط الدولة على يد مليشيات الحوثي في 21 سبتمبر 2014م.
وأوضح جابر في حديث لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بمناسبة اليوم الوطني الـ62 لثورة 26 سبتمبر المجيدة أن الحوثي أظهر حقيقته كضد موضوعي للثورة والجمهورية وهو ما زاد من الاهتمام الشعبي بثورة 26 سبتمبر وتاريخها وأبطالها وإنجازاتها، مشيراً إلى أن الاحتفال بذكرى سبتمبر أصبح خلال السنوات الأخيرة أحد أدوات الشعب ووسائله لمواجهة دعاة الإمامة وسياستهم الرامية إلى طمس معالم الثورة.
وكثف ناشطون من مختلف الطوائف والجماعات والشرائح منشوراتهم عن سبتمبر وثورتهم التي اندلعت في سبتمبر قبل 62 عاماً، ونشروا قصائد لشعراء يمنيين أبرزهم الشهيد محمد محمود الزبيري وعبدالله البردوني وعبدالعزيز المقالح، وأغاني ثورية للفنان اليمني أيوب طارش عبسي، وخاصة كلمات أغنية عبدالله عبد الوهاب نعمان (الفضول).
ويقول نائب وزير الثقافة إن الاحتفال بهذه المناسبة لم يعد يقتصر على 26 سبتمبر بل أصبح طيلة الشهر، مضيفاً أن هذا غير مسبوق في اليمن وخارجها، مشيراً إلى أن مليشيات الحوثي الإرهابية أدركت خطورة هذا الاحتفال الشعبي الواسع بالثورة خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث شعرت أن مساعيها الطائفية المدعومة بالقوة واستغلال الأوضاع الاقتصادية للشعب لطمس معالم الثورة واستبدالها بأسطورة الوصاية وتقديس النسب قد فشلت، لذلك اعتقلت العام الماضي العشرات من الشباب الذين احتفلوا بالمناسبة.
من المستحيل محوه…
ويؤكد زايد جابر أن مليشيات الحوثي ومنذ بدء الاحتفال مطلع سبتمبر/أيلول حاولت تعطيله عبر التحشيد للاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي حولته إلى مناسبة طائفية ونسبية ومناسبة لجمع ونهب أموال المواطنين.
وأضاف “لكن كل ذلك لم ولن يثني الشعب عن الاحتفال بمناسبته الوطنية التي هي مصدر اجماع وطني ورسالة رفض لأي مساس بها وبمنجزاتها ورفض لمطالب الوصاية والاختيار”.
ورغم حقد مليشيات الحوثي الإرهابية على ثورة 26 سبتمبر ومحاولاتها لمحوها من الذاكرة الشعبية إلا أنها أدركت أن ذلك مستحيل ولهذا لم تجرؤ على مهاجمتها علناً، وهذا يؤكد صمود الثورة وأهدافها بين أبناء الشعب، وأنها ستظل محور نضالهم المستمر حتى استعادة الجمهورية وأهداف الثورة مهما كانت التضحيات.
ومع فجر سبتمبر هذا العام تكثفت عمليات النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تضمنت صور أبطال ثورة 26 سبتمبر 1962م، وأبرزهم أول رئيس للجمهورية المشير عبدالله السلال، والشهيد علي عبد المغني، والأستاذ أحمد محمد نعمان، والزبيري، وغيرهم الكثير من الأبطال، حتى أن الفنانين التشكيليين المبدعين تنافسوا في رسم صور أبطال وقاده الثورة، مع إعادة بث الأناشيد المدرسية والفرق الفنية، خاصة في مدينتي تعز ومأرب، للأغاني الثورية القديمة التي سجلت في احتفالات الأعوام السابقة بالمناسبة.
ثورة متجددة…
يقول وكيل وزارة الإعلام نجيب غلاب: إن الاحتفال الشعبي الحاشد بقدوم سبتمبر يأتي في ظل تغول الإمامة بنسختها الحوثية، وحجم الظلم الذي طال كل يمني، والفساد الذي يحكم منظومة الاستبداد الحوثية ويمارس بالقوة والإكراه ودون أي خوف.
وأشار غلاب في تصريح خاص لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) إلى أن هذا الاحتفال بثورة 26 سبتمبر اليمنية المجيدة يأتي في وقت يرى فيه كل يمني فيها العدل والإخاء والمساواة والحرية وأنها أنقذت الشعب من غطرسة واستبداد الحكم المتخلف الرجعي الكهنوتي ومع عودتها بنسختها الجديدة (الحوثية).
وأضاف “إن ميليشيات الحوثي الإرهابية زادت من جشعها ووحشيتها واستخفافها بالشعب وكذبها عليه وخداعه ثم نهبه ودفع البلد بأكمله إلى الفقر والجوع ورهاناتها على الحروب الداخلية واستدعاء الحروب الخارجية حلاً لترسيخ حكم السلالة وإضعاف اليمن واليمنيين واستنزاف كل ما يمكن أن يمثل مقاومة للميليشيات العنصرية”.
وتجري الاستعدادات للاحتفال بالثورة السبتمبرية شعبيا حتى في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات، حيث تجري الاستعدادات لرفع العلم الوطني وتنظيم مسيرات أقوى من تلك التي شهدتها مناطق عديدة أبرزها مدينة صنعاء، وكذلك مدن إب وذمار والحديدة، رغم اعتقال وملاحقة الناشطين الذين خرجوا ليلة 26 سبتمبر 2023.
ويوضح وكيل وزارة الإعلام أن الشعب اليمني يملؤه الأمل الآن في تجديد هذه الصورة المجيدة، وهي دعوة مفتوحة من خلال هذا الاحتفال والإحتفال للجميع ليكونوا ثواراً كآباء وأجداد سبتمبر ومجده الذي لم ولن ينطفئ، مؤكداً أن 26 سبتمبر ثورة متجددة ونهضة قادمة ستكون أوسع وسيشارك في نهضتها كل اليمنيين بلا استثناء.
الاحتفال بالمقاومة…
يقول الناشط الإعلامي عامر دعقم: «سبتمبرنا وليس سبتمبرهم هو عيدنا الاستثنائي، شهرنا الخاص، ربيع الوطن الذي تتفتح فيه أحلامنا»، مشيراً إلى أهمية سبتمبر الذي ولدت فيه الجمهورية، وعلينا أن نتشبث به بأضراسنا، متمسكين بالحرية والكرامة.
ويرى وكيل وزارة الشباب والرياضة المساعد مانع المطري أن تنامي الاحتفال الشعبي بذكرى ثورة 26 سبتمبر المجيدة بشكل غير مسبوق من قبل الجماهير اليمنية، وبشكل يفوق ما شهدناه احتفالاً قبل انقلاب مليشيات الحوثي الإرهابية، تعبير طبيعي عن رفض الجماهير اليمنية لعودة الإمامة والكهنوت والطبقية بكافة أشكالها وصورها.
وأشار المطري في حديث لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) إلى أن هذا الاحتفاء يزداد عاما بعد عام، بسبب انكشاف أوراق ميليشيات الحوثي، وسقوط أقنعتها التي ضللّت الكثير من عوام الناس بأنها لا تستهدف الجمهورية ولا تسعى إلى إعادة الإمامة بشكل جديد أكثر قبحاً وفظاعة ووحشية.
ويؤكد المطري أن الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر يمثل شكلاً من أشكال مقاومة المشروع الحوثي ومحاولاته طمس معالم الثورة المجيدة وتزوير الذاكرة الوطنية وتلويثها بأساطير تقدس أسطورة وكهنوت الإمامة.