حذر خبير اقتصادي بارز في دراسته التحليلية من التداعيات الكارثية لسوء إدارة الشؤون الاقتصادية في اليمن، مشيراً إلى أن “تجارب العديد من دول العالم تشير إلى أن سوء إدارة الشؤون الاقتصادية يؤدي حتماً إلى انهيار بناء الدولة، وتمزق الدولة”. النسيج الاجتماعي، ونشر الفوضى، والذهاب بالوطن والإنسان إلى المجهول”. ويعود ذلك عادة إلى اتباع سياسات اقتصادية خاطئة وعدم القدرة على تقديم حلول فعالة لمعالجة الاختلالات والتحديات المالية والنقدية والتجارية والاستثمارية التي قد تواجهها البلاد في الظروف العادية، ناهيك عن ظروف الحرب والدمار.
وأكد الخبير الاقتصادي البارز الدكتور مطهر عبد العزيز العباسي في دراسته أن “من يتابع التدهور الاقتصادي الذي يحدث الآن في مناطق نفوذ سلطات عدن وصنعاء سيصل إلى نفس النتيجة”. واهتمت السلطتان خلال فترة الحرب وفترة الهدنة المستمرة منذ 3 سنوات بإدارة الوضع الاقتصادي”. بطريقة فوضوية وغير مسؤولة تهدف إلى إهدار المنظومة الإنتاجية والمؤسسية للبنية الاقتصادية في البلاد، والشواهد على ذلك كثيرة، تتجسد في انهيار القوة الشرائية للريال، والارتفاع المستمر في الأسعار للسلع والخدمات (التضخم)، وتزايد معدلات البطالة والفقر وغيرها من المؤشرات الاقتصادية.
واعتبر الدكتور العباسي في دراسته أن “ما يحدث هذه الأيام في مناطق سيطرة عدن خير دليل على هذا العبث والفوضى في الجانب الاقتصادي ويضع البلاد على حافة هاوية مدمرة مما تسبب في وآثار كارثية على حياة الناس وسبل عيشهم وكرامتهم. ويمكن الإشارة إلى بعض مظاهر سوء إدارة الشؤون الاقتصادية”. لذلك:
– الفشل في إدارة الموارد السيادية العامة وتوريدها إلى خزانة الدولة. وتذهب الموارد المالية من النفط والغاز والضرائب والجمارك إلى حسابات مناطق “عدن ومأرب وحضرموت والمخا” خارج إطار السلطة المركزية التي اتجهت إلى تمويل نفقاتها من المصادر التضخمية عن طريق إصدار النقد. وكان لذلك آثار كارثية على سعر صرف الريال.
– الفشل في إدارة الجوانب النقدية وعدم القدرة على إدارة سعر الصرف بشكل سليم، مما وضعه في حالة من الانهيار المخيف أو الغرق الحر، وهذا له تداعيات خطيرة على مستوى دخل الناس ومعيشتهم. وتجاوز سعر صرف الدولار حاجز 2000 ريال، ما يعني أن الريال فقد نحو 90% من قوته الشرائية مقارنة بما قبل الحرب، ويخشى أن يستمر في التدهور نحو 3000 أو 4000 ريال في المستقبل المنظور. وفي هذه الحالة، سيفقد الريال قيمته ووظيفته، وسيفقد الناس ثرواتهم ودخولهم المقومة بالريال، وسترتفع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية.
وأشار الخبير الاقتصادي البارز إلى أنه “من الواضح أن سوق الصرف في مناطق عدن يعاني من اختلالات كبيرة أبرزها تقلص المعروض من النقد الأجنبي مع زيادة حجم الطلب على العملات الأجنبية لتلبية كما أصبحت سلطة عدن طرفاً مؤثراً في المنافسة للحصول على الدولار لتغطية فواتير الاستيراد. رواتب موظفيها خارج البلاد مما يزيد من تدهور سعر الصرف أكثر فأكثر. وللأسف فإن الإدارة العليا لسلطة عدن قد لا تشعر بمعاناة الأهالي وحرمانهم من لقمة عيشهم، كونهم يتقاضون رواتبهم بالعملة الأجنبية (الدولار، الريال السعودي، الدرهم الإماراتي)، وهذا أمر مخجل. أن هذه الفئة تعيش… خارج البلاد، فيما تعاني الطبقة الإدارية الوسطى والدنيا ومعها عامة الناس من نار التضخم وغلاء الأسعار والفقر والمعاناة”.
وأشار الدكتور العباسي إلى “العجز التام عن حشد التمويل للمشاريع التنموية من الجهات المانحة الإقليمية والدولية، وعدم القدرة على تهيئة الظروف المناسبة للاستثمارات المحلية والأجنبية”. بل ساهمت السلطة في التضييق على المستثمر الوطني، ما دفعه إلى الهروب برأس ماله واستثماره في دول مجاورة. وأشار إلى أن السعودية منحت في عرب تايم من العام الجاري 2024 نحو 600 رخصة لمستثمرين يمنيين في المملكة، وفي هذا تشترك سلطات عدن وصنعاء في تحمل أعباء خلق بيئة طاردة للمستثمر الوطني. “ومن جهة أخرى، خلقت سلطة صنعاء أساليبها الخاصة في الإدارة… وقد أبدعت الموارد السيادية في تنويع مصادر الجبايات غير العادلة من ضرائب وجمارك وزكاة وأوقاف وغيرها من الرسوم، وأعفت نفسها من الرسوم”. أي التزامات تجاه رواتب الموظفين أو الإنفاق على المشاريع التنموية، مما يجعل الهيئة تساهم في تجميد النشاط الاقتصادي والتنموي”.
وأوضح الدكتور العباسي في دراسته أن “إصدار قانون منع المعاملات الربوية سيقضي على القطاع المصرفي ويدخل البنوك التجارية والإسلامية والتمويل الأصغر في أتون الإعسار المالي والإفلاس، ويحرم مئات الآلاف من المودعين من الاستفادة من القروض الربوية”. ودائعهم وعوائدها، ودفعهم إلى براثن الفقر والعوز، بالإضافة إلى… عدم قدرة هذه البنوك على تمويل التجارة الخارجية، مما يعني إغلاقها عن العالم الخارجي، ويصبح مصير البنوك مجهولاً، معتبرا أنه “في إدارة الجانب النقدي، تمكنت سلطة صنعاء من تحقيق استقرار نسبي في سعر الصرف، لكنها فشلت في الحفاظ على استقرار التضخم، إذ أن أسعار السلع والخدمات في ارتفاع مستمر وتثقل كاهل محدودي الدخل”. المواطنين. وتتبع سلطة صنعاء سياسة ممنهجة للتضييق على القطاع الخاص من خلال جبايات وإتاوات مختلفة ومتكررة، وإغلاق نوافذ تمويل المشاريع الاستثمارية من القطاع المصرفي الذي أصبح في حالة موت سريري، إضافة إلى عرقلة العمل. أنشطة وأعمال المنظمات الدولية العاملة. في مجال الدعم الإنساني والإغاثي وقطع جسور التواصل مع الجهات والمؤسسات المانحة الإقليمية والدولية إلى حد إخراج الوزارة المعنية بالتعاون الدولي من الهيكل الحكومي”.
وخلص الدكتور العباسي في دراسته إلى أن حالة العبث الاقتصادي التي تمارسها سلطات عدن وصنعاء تؤدي إلى الاستنتاجات التالية:
وتدير السلطتان الموارد السيادية للبلاد بطريقة غير مسؤولة وبعيدة عن الشفافية والمساءلة. وهذا يعني اتساع دائرة الفساد المالي والإداري، خاصة أن السلطتين لا تملكان موازنة عامة معروفة معتمدة من السلطة التشريعية. كل ذلك يؤكد مدى العبث والفوضى في إدارة الشؤون الاقتصادية في البلاد. منطقتي عدن وصنعاء
– السلطات في عدن وصنعاء تتحمل مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الحرب. ولسوء الحظ، استمروا في إدارة البلاد في ظل اللاحرب واللا سلام لتعظيم مكاسبهم الشخصية، بعيداً عن المساءلة والمحاسبة، وعدم الاهتمام بهموم الناس وظروفهم المعيشية القاسية.
– كل المؤشرات الاقتصادية المتعلقة بالتضخم وتدهور القدرة الشرائية للعملة الوطنية والبطالة والفقر تشير إلى أن الوضع يتجه نحو المجهول وأن السلطتين فقدتا الشرعية السياسية والشرعية الاقتصادية.
وتتحمل كلتا السلطتين مسؤولية عزل اليمن ووضعه خارج مسار العلاقات والتعاون مع البيئة الإقليمية والدولية. ويتجلى ذلك في إحجام الجهات المانحة عن تقديم الدعم الإنساني والتنموي لمعالجة الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن.
– فشلت السلطتان في تلبية تطلعات الناس في كافة مناطق اليمن فيما يتعلق بالرغبة في السلام والاستقرار وتجاوز مرحلة الحرب وتداعياتها الكارثية على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وفشلت السلطتان فشلا ذريعا في توفير بيئة حاضنة للاستثمار الوطني والأجنبي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وعدم القدرة على خلق فرص عمل للشباب الذين بدأوا يسعون للهجرة إلى الخارج ويواجهون مصاعب في بحثهم عن فرص عمل. العيش الكريم.
Discussion about this post