الحوارات واستطلاعات الرأي
(أولاً) المتابعة الخاصة:
مع استمرار الصراع السوري، أصبحت التحركات العسكرية الجديدة للمعارضة خلال الأيام القليلة الماضية محور التحليلات السياسية والعسكرية.
وأطلقت فصائل المعارضة، أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عملية عسكرية واسعة النطاق، أسفرت عن سيطرة جديدة على عشرات القرى شمالي سوريا، حتى وصلت إلى حدود مدينة حلب.
ويأتي هذا التطور في سياق صراع معقد يضم العديد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، حيث تستمر التوازنات الميدانية في التحول وفق الضغوط السياسية والعسكرية.
معارك عنيفة
بدأت فصائل المعارضة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، بتنفيذ عمليات هجومية على محاور بريفي إدلب وحلب، حملت شعار “رد العدوان”، تمكنت خلالها من السيطرة على قرى مهمة، بالإضافة إلى “الفوج 46” الذي يعد من أكبر الوحدات العسكرية في البلاد. ريف حلب الغربي الذي كان خاضعاً لسيطرة المعارضة حتى شباط/فبراير 2020.
وتضمنت العملية السيطرة على مواقع استراتيجية بعد معارك عنيفة مع قوات النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران.
وتهدف هذه العملية -بحسب إدارة العمليات العسكرية- إلى تحقيق أهداف استراتيجية أبرزها الضغط على النظام السوري، ومواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، وإرسال رسائل إلى القوى الداعمة مثل روسيا.
سيطرت فصائل المعارضة السورية على 34 قرية ونقطة استراتيجية في ريف حلب الغربي شمالي سوريا بمساحة نحو 245 كيلومتراً مربعاً، بعد مواجهات عنيفة مع قوات النظام السوري ضمن عملية “ردع العدوان” التي بدأت في 27 نوفمبر.
كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل نحو 100 عنصر من قوات النظام السوري وهيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة في ريف حلب، مسجلا أول خرق لخطوط التماس منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020.
وصباح 28 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت إدارة العمليات العسكرية بقيادة ائتلاف فصائل المعارضة، سيطرتها على بلدتي أرناز وكفر حوض، مؤكدة استمرار العمليات العسكرية وانهيار تحصينات النظام.
كما سيطرت على مناطق بارزة منها: الهوتة، وأورم الكبرى، وكفرناها، وعين جراح، وتلة التانك، بالإضافة إلى منطقة الفوج 46 التي تعتبر قاعدة استراتيجية للنظام السوري، بالإضافة إلى الاستيلاء على 5 دبابات بريف إدلب الشرقي في إطار اليوم الثاني للعملية. “ردع العدوان”.
وأشارت الإدارة إلى أن المناطق المحررة قد تساهم في عودة أكثر من 100 ألف نازح إلى ديارهم، ما يخفف من حدة الأزمة الإنسانية في شمال غربي سوريا، في حين أن الفصائل المسلحة أصبحت الآن على بعد 5 كيلومترات فقط من مدينة حلب، وهي تحت سيطرة النظام السوري.
من ناحية أخرى، ذكرت الإدارة أنها أسرت عناصر من قوات النظام والميليشيات المدعومة من إيران، واستهدفت طائرة في مطار النيرب، مؤكدة حصولها على معدات عسكرية من بينها دبابات وآليات ومستودعات ذخيرة.
وفي أول تعليق للنظام، قالت وزارة الدفاع إن قواتها تصدت لـ”هجوم إرهابي واسع النطاق”، مشيرة إلى أن فصائل المعارضة تكبدت خسائر فادحة.
أما تركيا فأكدت عبر مصادر دفاعية أنها تتابع التحركات الأخيرة للفصائل، مشيرة إلى أنها اتخذت إجراءات لحماية قواتها في المنطقة.
بدوره، قال الناطق باسم غرفة عمليات الفتح المبين – التي تضم هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير وفصائل أخرى – حسن عبد الغني، إن الهدف من العملية هو توجيه “ ضربة استباقية” للحشود العسكرية لقوات النظام والميليشيات الموالية لها والتي تهدد “المناطق المحررة”، بحسب ما أوردت الجزيرة نت.
وذكرت مواقع إخبارية موالية للمعارضة، أن الطيران الروسي والنظام السوري شنوا غارات على مناطق سيطرة فصائل المعارضة في ريفي حلب وإدلب، كما قصفت تلك المناطق بصواريخ أرض-أرض، بحسب المصادر نفسها.
استخدام القوة
ويقول الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي إن عملية “ردع العدوان” جاءت في سياق الركود السياسي الذي يعيشه الملف السوري منذ سبع سنوات، وتعنت النظام وعدم تنفيذه للقرارات الدولية، وخاصة القرار 2254. وأيضاً الضغط على السوريين عسكرياً من خلال استهداف كافة مناطق الشمال، كما أنه تم اعتقال جميع السوريين الذين عادوا باسم العودة الآمنة أو الطوعية، ومنهم من مات تحت التعذيب في بشار. سجون الأسد.
ويضيف أن كل هذه المعطيات التي تراكمت في السنوات الأخيرة أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن مسألة حل الملف السوري سياسيا ربما أصبحت من الماضي ويجب استخدام القوة العسكرية.
وعن وجود دور دولي في العمليات الأخيرة، يرى الشرقي أن “قضية الشعب السوري في تحقيق مطالبه عمرها أكثر من 14 عاماً، والسياسة الدولية كانت دائماً غير متوافقة مع مصالح الشعب السوري. ”
ويتابع بالقول: “الآن، ومع المتغيرات الأخيرة في المنطقة، والرغبة الدولية في التخلص من الميليشيات الإيرانية، فمن المتوقع أن تدعم القوى الدولية هذا التوجه بشكل مباشر عسكرياً أو سياسياً، أو تترك حرية هذا الأمر”. التحرك لقوى الثورة والمعارضة السورية على الأقل، لأنها قادرة على التغيير…”الميزان على الأرض لأنه الطرف الأقدر على قتال هذه الميليشيات، لأنه اكتسب مهارات قتالية وعسكرية على مدى الماضي” سنين.”
ويشير الشرقي إلى أن أولويات المعارضة السورية بعد تحرير هذه القرى في ريفي إدلب وحلب هي إعادة الحياة إليها، فضلاً عن تجنب استغلال ملف اللاجئين السوريين في دول الجوار من قبل بعض الأطراف لأغراض سياسية. وعندما يتم تحرير هذه المناطق، يمكن لمئات الآلاف من السوريين العودة من الدول المجاورة.
وأشار إلى أن الفصائل تؤكد من خلال عملياتها الأخيرة أنها رغم كل التخلي الدولي عن الشعب السوري، إلا أنها قادرة على الاعتماد على نفسها، خاصة بعد ظهور أسلحة وطائرات مسيرة سورية الصنع.
وأوضح المحلل السياسي: “وعليه فإن هذا الأمر يحقق توازناً على المستوى السياسي والعسكري، ويحقق أيضاً نوعاً من الاعتماد على الذات من خلال صناعة الأسلحة، وهو ما يعطي أهمية لمسألة الحل السياسي القائم على التفاوض على السلام”. على أساس القوة وليس على أساس الضعف.”
أسباب التصعيد
شهدت مناطق شمال غربي سوريا، في الأيام الأخيرة قبل “رد العدوان”، تصعيداً عسكرياً مكثفاً من قبل الطيران الروسي وقوات النظام السوري، وسط أنباء عن استعداد بعض الفصائل المسلحة لشن معركة جديدة ضد النظام في حلب.
وأدى هذا التصعيد إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين خلال أيام قليلة، حيث استهدفت الهجمات قرى ريفي إدلب الجنوبي والشرقي وأطراف المدينة وبلدات بريف حلب الغربي.
وأدت هذه الهجمات إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية والمرافق العامة، فضلاً عن إلحاق أضرار بمنازل السكان.
وكثفت روسيا غاراتها الجوية على مناطق سيطرة المعارضة، وركزت على استهداف البنى التحتية الحيوية كمحطات الكهرباء والمياه، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني وزيادة الضغط على المدنيين.
ويأتي هذا التصعيد الروسي بهدف تحذير فصائل المعارضة من استغلال نقاط ضعف النظام السوري أو التوسع في مناطق سيطرته.
ويأتي ذلك في إطار سلسلة الانتهاكات المستمرة التي تشهدها المنطقة منذ بداية عام 2024، إذ رصدت التقارير وقوع نحو 3000 هجوم شنتها قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها، بدعم من الطيران الروسي.