يبدو أن قدر الشاعر نزار قباني هو إثارة الجدل طوال الوقت، وإشعال نيران التجديد والتمرد في أسلوب ومفهوم وتأثير الشعر العربي، رغم مرور كل هذه السنوات على رحيله عام 1998. .
خاض قباني خلال حياته العديد من المعارك الأدبية لأسباب عديدة، واليوم يتعرض للهجوم مرة أخرى بسبب طريقته السهلة والبسيطة في صياغة القصيدة بشكل يجعلها تبدو وكأنها نوع من “النثر” وليست جامدة. النثر” مقارنة بالشعراء القدماء مثل المتنبي وعمرو بن كلثوم وغيرهما.
الدعم والمعارضة
الهجوم الذي شنه الباحث التاريخي رضا العنزي أعاد قضية “الشعر الحديث” برمتها إلى الواجهة. فهل الشكل الأفضل للقصيدة العربية الفصحى وزنا وقافية، أم نظيرتها الحداثية المتأثرة بالغرب الذي أسقط الوزن والقافية من حساباته وبدا قريبا من النثر المعتاد؟ وشهدت التعليقات التفاعلية في هذا السياق انقساما واضحا في الرأي بين مؤيد ومعارض.
ومن أبرز الاعتداءات القاسية والعنيفة التي تعرض لها نزار خلال الثمانينات، كتابان أصدرهما الكاتب والناقد اللبناني جهاد فاضل بعنوان «فتافيت شاعر» و«نزار قباني – الوجه الآخر»، وفيهما ويتهم الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بشعره بأنه “سادي، عدمي، مدمر، شعبوي، مملوء بحقد العجم على العرب، شعر له نسب واحد في تراثنا الشعري وهو تراث ( الشعبوية) التي تقوم على التقليل من لغة العرب وتراثهم ومكوناتهم، والاستهزاء بقيم العرب ومثلهم العليا.
ونقل “فاضل” قول نزار: أنت في بيتك محدود الإقامة / أنت في قومك مجهول النسب / يا صديقي رحم الله العرب.
وارتفعت أصوات كثيرة دفاعا عن نزار قباني، إذ أكد مدافعون أن الكاتب اللبناني أخرج بعض الأبيات من سياقها لتشويه المعنى وإثبات الاتهامات الباطلة.
ويؤكد علي أحمد العرود في كتابه “جدلية نزار قباني في النقد العربي الحديث” أن هجوم جهاد فاضل جاء لدوافع شخصية بحتة ردا على اتهام نزار بتغيير اسمه من “يوسف” إلى “جهاد” لأنه “مجموعة العمل تتطلب هذا التغيير.” تعبير نزار في مجلة الأحزادات، 1987.
صدام مع جمال عبد الناصر ونجيب محفوظ
وقبل ذلك، أثارت قصيدة نزار قباني «هوامش على دفتر النكسة» هجوماً واسعاً ضده في مصر، حيث رأى المثقفون فيها استسلاماً لنكسة 1967. وردت الإذاعة المصرية على هذا الهجوم، وأوقفت التعاون معه، وأوقفت التعاون معه. ومنع بث الأغاني المأخوذة من شعره. يقول نزار في القصيدة: “إذا خسرنا الحرب فلن تكون مفاجأة/ لأننا ندخلها بكل مواهب البلاغة التي يملكها الشرقي/ بالطرائف التي لم تقتل ذبابة قط”.
شعر نزار بالضيق الشديد وأن هناك من يتربص حوله ويشوه مواقفه القومية العربية ويتفوق عليه، فأرسل رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر تتضمن نص القصيدة ويشرح فيها موقفه. ولم يكن على ناصر إلا أن يأمر باستئناف التعامل معه وإنهاء الأزمة.
وأشعلت قصيدة «الركضون» التي كتبت في أعقاب «اتفاقية أوسلو للسلام» معركة شهيرة بين نزار ونجيب محفوظ في منتصف التسعينيات. وأعدت مجلة “روزا اليوسف” المصرية في عددها الصادر بتاريخ 16 أكتوبر 1995 ملفا يحتوي على القصيدة، ووصفها نجيب محفوظ بأنها “قصيدة قوية جدا، قنابل تنفجر في عملية السلام، دون أن تقدم بديلا لها”. هو – هي.”
ورد نزار قائلا: “شكرا لأستاذنا الروائي الكبير نجيب محفوظ الذي قرأ قصيدتي “الركضون”. لقد أحبها شعرياً، لكنه لم يعجبه أيديولوجيا وموقعها. وإذا هز الخطاب الشعري أعماقه فهذا دليل على أن حساسيته الشعرية لا تزال بخير… وقلبه الكبير لا يزال سعيداً برؤية البرق. فيسقط المطر . أما مواقفنا الأيديولوجية المتضاربة من قضية السلام فهي بسيطة وهامشية ولا تفسد مودة القضية.
Discussion about this post