شعر / سبأ الجاسم الحوري.
نامَ الصغيرُ على القبورِ مُودِّعًا
دفءَ الحَياةِ وفي الفؤادِ نواحُ
ويقولُ يا قبرًا ضممتُك زائرًا
علّي أُريحُ القلبَ وهو جراحُ
كم مِن صغيرٍ في الظلامِ تَلفّعَ
خوفًا، وما تركَتْ له الأفراحُ
هذا الفراقُ بأيِّ ذنبٍ قد أتى
أوَليست الأمهاتُ حقًّا وِشاحُ؟
أيُّ ذنبٍ للطفولةِ يُمحَقُ
وجراحُنا لِلحربِ فينا وشاحُ؟
يا لوجع الطفولة في أرضٍ اختلطت تربتها بدماء الأبرياء، حيثُ يُستباح فيها الحلم، ويُدفن فيها الأمل قبل أن ينضج في أعين الصغار.
تراهُ ينام على قبر أمه، يستمد من برودتها دفئًا، يستنشق منها عطرًا قديمًا كان يسكن ثيابه حين كانت تحمله بين ذراعيها. يحكي للقبر ما لا يحتمله قلبٌ من حرقة الفراق، ويبوح له بما لا تُسعفه الكلمات عن قوله: “دعني أسترح في حضنها، دعني أحتضنها، فأنا لا أجد سكونًا في هذا العالم سواها.” قلبه الصغير لم يعد يحتمل قسوة الواقع، ولم يعد يفهم كيف أطفأت الحرب نور أمه، كيف جعلتها ذكرى باردة يراها فقط خلف التراب.
أليست هذه الصرخة كافيةً لتحريك الجبال؟ أليست هذه الدموع الطاهرة التي بللت قبرها سببًا في أن يستفيق الضمير من غفوته؟ كيف لهؤلاء أن يمضوا في غفلتهم، كأنَّ أوجاع هذا الطفل ودموعه، كأنَّ يأسه وضياعه لا يعنون لهم شيئًا؟ كيف لهم أن يتجاهلوا احتلالًا يغرس خناجره في قلوب الأطفال، ويرسم ظلال الحزن فوق عيونهم البريئة؟
أيّ قلبٍ يرضى أن تكون الطفولة بهذا البؤس، أن يتحول حضن الأم إلى تراب، وأن يُترك الصغار للريح تعبث بهم دون شفقة؟ وكيف لهذا العالم أن يمرّ على مشهد كهذا، أن يَشيحَ بنظره عن طفلٍ يُختطف منه حضنُ أمه ليحتضن قبرها، يُبكِي عروق التراب بدموعه وهو يتوسل أن يعود الدفء المفقود، أن يعود البيت الذي كان يحميه من ضراوة الأيام؟
يا من تغفلون عن تلك المشاهد المؤلمة، يا من تبررون السقوط في مستنقعات الصمت، إن هذا العذاب لم يكن ليقع لولا تهاونكم في مواجهة المحتلّ، لولا صمتكم على يدٍ أزهقت الأرواح بلا ذنب. هذه ليست حربًا فقط، هذه مصيدة أعدَّها من لا ضمير له ليقتل البراءة، ويطحن تحت رحاها قلوبًا صغيرة لم تعرف من الدنيا إلا القسوة.
افتحوا أعينكم، وامنحوا أرواحكم بعض الشجاعة لتواجهوا الحقيقة. إنَّ سكوتكم على مأساة هذا الطفل، هو كمن يشارك في دفن أمه مرتين، هو كمن يُغلّق الأبواب في وجه الصغار، ويجعلهم أسرى للحزن والضياع.
استفيقوا، فإنّ كل دمعةٍ على هذا القبر هي وصمةٌ على جبين الإنسانية.
Discussion about this post