لم يقتصر دوي رصاص منفذ عملية معبر الملك حسين “الكرامة” على الأردن فحسب، بل وصل دويه إلى أرجاء الوطن العربي، فاخترق الجغرافيا واستذكر التاريخ، ليذكرنا بعقود مضت كان الأردنيون خلالها في مقدمة ركب المواجهة ضد الانتداب البريطاني ومن ثم الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين.
ماهر الجازي، الاسم الأكثر تداولاً على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد تنفيذه عملية تمكن من خلالها من قتل ثلاثة إسرائيليين.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، إن الجازي (39 عاماً)، أطلق النار من مسدس داخل معبر اللنبي، كما تسميه الاحتلال، ما أدى إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين قبل أن يستشهد.
الجازي.. رصاصات من الذاكرة
ينحدر الشهيد ماهر من بلدة عذرة في محافظة معان جنوب المملكة، وينتمي إلى عشيرة الحويطات الشهيرة، وهو من نفس القرية التي كان ينحدر منها الشيخ هارون الجازي الذي قاد المتطوعين في حرب 1948.
وهو أيضًا من نفس عائلة قائد معركة الكرامة عام 1968، المشهور حديثة الجازي، أحد أشهر القادة العسكريين الأردنيين والعرب.
هارون الجازي
ولد الشيخ هارون الجازي عام 1913 في قرية عذرة في محافظة معان جنوب الأردن، لعائلة تترأس عشيرة الجازي من قبيلة الحويطات العربية التي تتواجد وتتواجد في جنوب الأردن وشمال السعودية والنقب وسيناء ومصر.
قاد الشيخ هارون عدداً من المعارك ضد الانتداب البريطاني في فلسطين، ثم حارب الاستيطان الإسرائيلي.
واتصل الشيخ هارون بالقائد الشهيد عبد القادر الحسيني، وعمل تحت إمرته، كما تعرف على الشيخ حسن سلامة قائد القطاع الأوسط في جيش الجهاد، وشارك في معركة القسطل قائداً للجبهة الجنوبية الغربية، وتمكنوا من تحريرها، رغم استشهاد القائد الشهيد عبد القادر الحسيني في تلك المعركة في 8 نيسان 1948.
وبعد دخول الجيش الأردني فلسطين تمركزت كتيبة الشيخ هارون في منطقة باب الواد التي كانت تسيطر على طريق تل أبيب القدس، حيث حاصرت القدس بالتعاون مع الكتيبة الرابعة الأردنية، ومنعت الإمدادات من الوصول إليها.
خليفة جيد لسلفة جيدة
*من هارون الجازي قائد المقاتلين الأردنيين في معركة القدس عام 1948م
مروراً بالحديثة الجازي الشهيرة بطلة معركة الكرامة
الى ماهر الجازي بطل معبر الكرامة اليوم
الطريق إلى الكرامة مفروش بالدماء*
رفع الله درجاتك يا أبا قدر وتقبلك في الشهداء ونفع بك البلاد والعباد. #الحويطات #معبر_الكرامة pic.twitter.com/6Gnvvf50yj– فؤاد خليل@7(0أكتوبر)🔻🇵🇸 𓂆🔻 (@fuadkhalil_fuad) 8 سبتمبر 2024
وأطلقت قوات الاحتلال آنذاك على باب الواد اسم “باب جهنم” نظراً لضخامة الخسائر التي تكبدتها فيه.
واستمر الشيخ هارون في القتال رافضاً الهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة على الجيوش العربية، فهاجم العصابات الصهيونية وأوقع بها خسائر فادحة.
عرض الأخبار ذات الصلة
موسيقى الجاز الشهيرة
الفريق الركن مشهور حديثة الجازي ولد في منطقة معان جنوب الأردن عام 1928 وانضم إلى الجيش الأردني عام 1943.
شارك في حرب 1948 وأصيب خلالها، كما شهد حرب 1967 وتدرج في الرتب حتى أصبح رئيساً للأركان وقائداً عاماً للجيش عام 1970.
قاد مشهور معركة الكرامة التي وقعت بين المقاتلين الفلسطينيين والجيش الأردني من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى عام 1968.
ومن الأقوال الشهيرة التي قالها الزعيم الأردني وهو يستشرف الأيام القادمة: «إن القريب سيئ، ولكن البعيد في صالح هذه الأمة التي لن تهزم أبداً، هذه الأمة العريقة المتمركزة في تاريخها وجغرافيتها ودينها وإمكانياتها سوف تصبح الأمة العظيمة في هذه المنطقة».
— خالد وليد الجهني (@khaledEljuhani) 8 سبتمبر 2024
ماهر الجازي
لقد أعاد ماهر إرثاً تاريخياً يبدو أن جيل الألفية لا يتذكره، خاصة وأنه يتناقض مع التوجهات الرسمية للدولة العربية، فهو كما وصفه كثيرون رصاصة من القرن الماضي، أطلقت في عملية طوفان الأقصى المستمرة.
قاد ماهر حسين دياب الجازي، من مواليد 28 أبريل 1985، شاحنته فجر الأحد متوجهاً إلى معبر الكرامة، حيث ترجّل منها وفتح النار من مسدسه الشخصي، ما أدى إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين قبل أن يستشهد.
ماهر الذي كان يعمل سائق شاحنة، عمل سابقا في الجيش الأردني وتقاعد قبل بضعة أشهر، وهو أب لخمسة أبناء، أكبرهم يبلغ من العمر 12 عاما، بحسب شقيقه شادي.
وأضاف أن شقيقه كان غاضباً مما يحدث في غزة، وحزيناً على حال الأمة الإسلامية، فكل من يرى قتل إخواننا في القطاع يتحرك ضد الاحتلال الصهيوني، لذلك بادر إلى مساعدتهم.
عرض الأخبار ذات الصلة
بين رهان نتنياهو والمقاومة
لقد كانت العملية بمثابة صدمة للاحتلال الإسرائيلي، كما عكستها تصريحات قادته، كما كانت بمثابة خيبة أمل كبيرة لمحاولة نتنياهو تغيير العقل الجمعي العربي، حيث صرح أكثر من مرة أنه نجح بفضل اتفاقيات التطبيع في إقامة علاقات صداقة مع شعوب المنطقة المحيطة بالدولة المحتلة، ثم ناقض نفسه مرة أخرى بالعملية.
وقال نتنياهو بعد العملية: “هذا يوم صعب ونحن محاطون بأيديولوجية قاتلة”.
ولا يبدو أن نتنياهو وقوات الاحتلال فاتتهم الفرصة لمواصلة توزيع الحلوى في المدن الأردنية ابتهاجا بالعملية، إذ خرج آلاف الأردنيين مساء الأحد من المسجد الحسيني وسط عمان القديمة لإقامة “موكب شهيد” بعد عملية معبر الكرامة التي نفذها الشهيد الأردني ماهر الجازي صباح الأحد.
وهتف المشاركون: “قالها ابن معن.. غزة ونحن ورجالها”، “يا ابن الجازي يا شجاع.. من فجرها في الأغوار”، “عدوك جايب.. من كل زاوية وحي وشارع”، “ابعدوا العساكر عن الحدود.. حدود الضفة.. واللي عاوز الأرض يحمل البندقية”، “شعب الأردن يا كابوس.. لبّى نداء المقاومة وسندوس الصهيوني”، و”أهلا بالشعب اللي ما يساوم”.
وخرج الأردنيون إلى شوارع عمان احتفالاً بإنجاز الشهيد البطل. #ماهر_الجازيمن حقق “خدعة” محترمة بقتل ثلاثة جنود إسرائيليين!هذه هي المشاهد التي ترعب نتنياهو وجيشه، المشاهد التي تؤكد أن العداء لإسرائيل هو أمر لا يمكن السيطرة عليه أو كبحه، مهما أبرمت اتفاقيات التطبيع ومهما قتلت أرواح الناس. pic.twitter.com/YcQmqw9zp5
– مريم محمد زريرة (@RaMaryame) 8 سبتمبر 2024
وأدى المشاركون صلاة الغائب على روح الشهيد الجازي منفذ العملية، كما أطلقوا الألعاب النارية في الهواء احتفالاً بتنفيذ العملية ضد الاحتلال.
ويبدو أن رهان المقاومة نجح إلى حد كبير، حيث رحبت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بعملية معبر الكرامة مساء الأحد.
وقال الناطق باسم القسام أبو عبيدة في سلسلة تغريدات على قناته على التليجرام: “نبارك العملية البطولية والنوعية على معبر الكرامة التي نفذها الشهيد الأردني البطل (ماهر الجازي) أحد أبطال طوفان الأقصى”.
وأضاف أبو عبيدة أن “مسدس البطل الأردني في نصرة أقصىنا وشعبنا كان أكثر فعالية من جيوش ضخمة وترسانة عسكرية مكدسة”.
وتابع قائلا: “إن العملية تعبر عن ضمير أمتنا، وتداعيات طوفان الأقصى، والكابوس الذي ينتظر الكيان الصهيوني من أبطال أمتنا”، مشيرا إلى أن مقاتلي القسام أدوا “في مواقعهم القتالية وكمائنهم وعلى الحدود في قطاع غزة، صلاة الغائب على الشهيد بطل العملية”.
وفي وقت سابق، باركت حركة حماس “العملية البطولية” على معبر الكرامة، التي جرت على الحدود بين الأردن وفلسطين المحتلة، وأدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين واستشهاد منفذها.
وقالت الحركة إن العملية “رداً على جرائم الاحتلال، وتأكيداً على وقوف أمتنا إلى جانب شعبنا ومقاومته الباسلة”، مضيفة أن “العملية البطولية التي نفذها أحد رجال الأردن البواسل هي رد طبيعي على المحرقة التي يمارسها العدو الصهيوني النازي ضد شعبنا في غزة والضفة المحتلة، ومخططاته لتهجير وتهويد المسجد الأقصى”.
وتابعت “عملية معبر الكرامة تأكيد على رفض الشعوب العربية للاحتلال وجرائمه وأطماعه في فلسطين والأردن ودعمها القوي لشعبنا ومقاومته الباسلة دفاعا عن القدس والأقصى”.
عرض الأخبار ذات الصلة
دعت حركة حماس الشعوب العربية والإسلامية إلى “الانتفاض رفضاً للعدوان وحرب الإبادة ضد شعبنا في قطاع غزة، والهجمة المسعورة ضد شعبنا في الضفة الغربية الأبية”.
وفي سياق متصل، تداول ناشطون على نطاق واسع كلمة سابقة للناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، وجهها إلى الشعب الأردني في ظل العدوان الغاشم على قطاع غزة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجه أبو عبيدة خطابه للأردنيين قائلاً: “ندعو إخواننا في الأردن بشكل خاص إلى تصعيد كافة أشكال العمل الشعبي والمقاوم.. أنتم أهلنا في الأردن كابوس الاحتلال الذي يخاف تحرككم ويأمل ويعمل على تحييدكم وعزلكم عن قضيته”.
جاء ذلك بعد العملية التي نفذها صباح اليوم الأحد سائق شاحنة أردني على معبر جسر الملك حسين (الكرامة)، وأسفرت عن مقتل ثلاثة حراس أمن إسرائيليين.