(أولاً) بلال الطيب:
وفي بداية السبعينيات من القرن الماضي شهدت مدينة تعز حركة فكرية وثقافية متميزة، وكانت مجالس بعض وجهاء المدينة الحالمة، ومن بينهم عضو المجلس الجمهوري الشيخ محمد علي عثمان، بمثابة الصالونات الأدبية. لكنهم لم يلقوا الاهتمام الجيد والتوثيق اللازم، ولم يصل إلينا إلا القليل من مآثرهم. .
وكان الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضل) نجم تلك التجمعات، وكان دائما يفاجئ أصدقاءه بأحدث إبداعاته الغنائية بصوت رفيق دربه الفنان أيوب طارش عبسي. وكانت في طور التأليف، ولم تكن جمالياتها الفنية قد اكتملت بعد، وكانت الهديل أيوب – بحسب حديث صحفي – حساسة لذلك الموقف. المتسرع، دون أن يبدي اعتراضه، احتراماً لمكانة أستاذه الفضولي، الذي وجد ما يبحث عنه في صوته الرخيم الصافي.
في إحدى الإجازة الصيفية عام 1971م، وبحسب حديث أحد المهتمين (التقيته منذ سنوات ولكن نسيت اسمه)، سمع الشاعر الفضولي الحاضر أغنيته العاطفية الأخيرة: (لقاء طيب، طيب القلب، وفيّ) العهود). ولم يكن من الشيخ محمد علي عثمان والشيخ يحيى منصور بن نصر وغيرهم إلا أنهم أثاروا غيرة شاعرنا الكبير، وخاطبوه بالمعنى: “أيوب يستطيع أن يغني من غير كلامك، وينجح ويشتهر”. ، وأمثالك كثيرون، فلا تحتكره لنفسك، وما دام اللحن جاهزاً، فاتركه لغيرك…”.
وبحسب حديث للفنان أيوب طارش فإنه – أي فناننا الكبير – سمع عدداً من وجهاء ومثقفي مدينة تعز تلك الأغنية في منزل العميد عبد الكريم عبد الإله (وقد يكون هذا الأول والأخير) المادة الوحيدة التي تناول فيها لحن تلك الأغنية، وربما تكون الثانية)، وما أن انتهوا من التصفيق له والإعجاب بها، حتى تقدم الشيخ محمد علي عثمان، يعاتب ويغيظ الشاعر الفضولي بقوله: «ولكن لا تغضب على أيوب يا عبد الله؛ كما أن كلماتك وقصائدك لا تظهر ولا تجمل إلا بلحنه وصوته، وإلا لاشتراها الناس لو سجلتها بصوتك.
وكان الشيخ محمد علي عثمان – بحسب كلام الفنان أيوب – من أكبر محبيه ومحبيه. فالتفت إليه بعد أن انتهى من حديثه مع الشاعر الفضولي، وخاطبه قائلاً: “يا أيوب، دع أحداً يكتب قصيدة على لحنك هذا بدلاً من لقاء جميل، وسنلتقي هنا بعد أسبوعين و سوف نسمع منك.” .
ولأنه كان شديد الثقة والفخر بنفسه، خضع الشاعر الفضول لذلك التحدي على مضض، فيما تواصل الفنان أيوب طارش مع الشاعر أحمد الجابري الذي كان يقيم آنذاك في مدينة تعز ويعمل مديراً تجارياً. التابعة للشركة اليمنية للصناعة والتجارة التابعة لرجل الأعمال هائل سعيد أنعم.
واستجاب الشاعر أحمد الجابري -حسب حديث له- للطلب منذ اللحظة الأولى، وساعده الجو الحالم والممطر وصبر الجدة على استحضار أفكاره وأشواقه، وعلى الصوت الحزين. اللحن الأيوبي كتب رائعته الغنائية: (أشكو لمن ونجم الصبح قلبي المغرّم)، وما هذه إلا أيام. ولدقائق قليلة نطقتها الهديل أيوب في حضور الشيخ محمد علي عثمان وآخرين، وقام الأخير – بحسب كلام الفنان أيوب – وجلس من فرحه، وقال مخاطبا الشاعر الفضولي: «هيا، لقد رأيت يا عبد الله. والله لا ندع كل الشعراء يكتبون قصائد لأيوب بكل ألحانه، ولا تجلس وترسم عليه”.
وأضاف الفنان أيوب طارش متحدثًا عن الشيخ عثمان: “رحمه الله. كان عزيزاً علينا جداً، ومن محبته لي وتشجيعه، أوعز لأحد أن يشتري لي عوداً حلبياً من سوريا. وعندما بدأت ببناء المنزل وأوشكت على الانتهاء منه، وكنت بعيدًا عن الماء والكهرباء، قال: لا». ما يهمك هو أن لدي من يوصل الماء لبيتك والكهرباء لعبد العزيز الهروي”.
وهكذا أصبحت (أشكو لمن) تلك الشكوى الحزينة على كل لسان، وكانت تلك الأغنية أول أعمال الشاعر أحمد الجابري غناها الفنان اليمني الكبير، وتلاها سبعة أعمال جميلة (خذني معك ، ما معك، حب الأيام، قسمة ونصيب، عاشق الليل، وفي سبيل اليمن). ، وشهر الصوم)، كما نال نصيبه من الشهرة والانتشار.
وبعد مرور أكثر من 17 عاماً على ذلك اللقاء، لحن الفنان أيوب طارش لحناً رائعاً لأغنية (يومك سعيد – وافي الععود)، متناغماً مع سياقها الدرامي المذهل. سجلها – أي الأغنية – في القاهرة بتوزيع موسيقي رائع، وكتبت للنجاح، كما كتبت من قبل لمنافسها (أشكي). لمن)، وكانتا حقاً أغنيتين أيوبيتين خالدتين، مليئة بالقصة والمعنى.
كلمات : أشكو لمن
أشكو لمن ونجمة الصباح قلبي المحب
شعرت بالارتياح وجفت الدموع في عيني
من يوم اختفى ألمي وعذابي
ويذوب الشوق في قلبي وثنيات ضلوعي
كيف يقرح النوم جفني ويشعرني بالقلق
الهجر في الحب بلاء والتعب لنا
ومن قال أن الحب للرب هنا؟
لقد تم اختبار حبي فاسألني
لقد قضيت عمري عبثا، وقلبي عطشان
أبكي على الزمن الذي فات في الحب، فهو كله لنا
اسأل عليّ دموعي والليالي شهودًا
رعاية نجوم الحب على طريق الأمل
قضيت الليل كله في انتظار عودته
أنا مخلص لأحبائي، باستثناء حبيبي
لم يعد يتذكر عاطفته تجاه الحب أو الوعود
فراق الأحبة لا عظم منه إلا العسر
يكفيك ما حدث لحبنا يا قلبي
أوقف دموعك ودع الحياة تفرح معنا
لا تبكي على الماضي ولا تسأل عن أمسنا
ابق واسأل، فربما تكون العودة غدًا
الحب في الوصل جنة
والنار بعيدة عنها يجد فيها الحاسد راحة
ليل الليل ملأني حزنا كم أعاني
أبقى وحيدًا ولا يستطيع أحد أن ينام
كم أستطيع أن أصبر مثل أيوب وأنسى المعاناة
تجولت روحي دقيقة من عذاب الشوق
فالصبر، حتى لو طال، لا بد أن يكون له حدود
Discussion about this post