القاتل لا يحتاج إلى رخصة للقتل، لكنه قد يحتاج إلى حماية، لذلك ذهب إلى الكونجرس وحصل على رخصة للقتل، بل وحصل على غطاء كاف لبدء حرب جديدة أو حرب بلا حدود، ليضرب حيث يشاء. إنه ينتظر اللحظة لأمرين مريرين، كلاهما يجدهما حلوين: إما أن يصمت من هوجمت عواصمهم فيخرج منتصراً، أو يردون على الحرب بالمثل فيبدأ حربه التي يعتقد أنها ستحافظ على وجوده في مكانه وتحافظ على المصالح الأبدية للكونجرس أو الحامي في المنطقة.
ونحن نتفق معه في أن هذه الحرب هي حرب وجود وليست حرب حدود، والكونجرس يتفق معنا أيضاً، لذا فقد ألقى بثقله وراء المعركة، متجاوزاً كل السلطات التنفيذية التي تمويهت بموقفها وتظاهرت برفض الحرب حتى بلغ حرجها ذروته وشعرت بخطرها على وجودها. ولكن حسابات الكونجرس تختلف عن حسابات الرؤساء، فالسلطة الحقيقية التي تضمن التمويل الأبدي توجد هناك، وهي التي أذنت بتوسيع الحرب. فهل هي حرب شاملة؟ العالم أو جزء منه يحبس أنفاسه، وسنحاول أن نكتشف الطريق وننتظر.
الهجوم النهائي أم الحرب الشاملة؟
إن كل سلوكياته السياسية والعسكرية تكشف عن شخصية تزدري كل من حولها؛ بدءاً من جمهوره وانتهاءً بمصالح العالم المتشابكة في المنطقة (مصدر الطاقة الأهم في العالم). ومن أجل تأجيل (أو إزالة) احتمالات زواله، فإنه يحمل العالم معه إلى الكارثة. فهل يستطيع أن يضمن نجاته من حرب قد يشنها ولا يستطيع أحد أن يتخيل نهايتها؟
لقد كانت حرب غزة إيذاناً بهزيمة الكيان وقائده المقاتل، فلم يعد جيشه قادراً على الصمود، ولم تعد آلياته كافية، ولم يعد الدعم المباشر قادراً على ملء الفراغ، وباتت علامات تفكك جبهته الداخلية تقترب من الحرب الأهلية، وهذا كان واضحاً بديهياً لأنصار المقاومة، ولكنه كان أكثر وضوحاً وجلاء للكيان وأنصاره، وهذا ما وضع المفاوض الفلسطيني في موقف قوة رغم خسائره في الأرواح والبنى التحتية.
إن الخضوع للمفاوضات كان في حد ذاته علامة هزيمة، والقبول ببقاء غزة تحت حكم حماس وفشل كل الحلول الأخرى، كانت أكبر هزيمة للجيش الذي لا يقهر. نظرياً، تم إيصال العدو إلى نهايته، لذا فإننا نترجم ضرباته في لبنان وطهران على أنها هروب آخر من نهايته. ولكن كيف يهرب من حرب ضيقة إلى حرب شاملة؟
إن كل سلوكياته السياسية والعسكرية تكشف عن شخصية تزدري كل من حولها؛ بدءاً من جمهوره وانتهاءً بمصالح العالم المتشابكة في المنطقة (مصدر الطاقة الأكثر أهمية في العالم). ومن أجل تأجيل (أو القضاء على) احتمالات زواله، فإنه يحمل العالم معه إلى الكارثة. فهل يستطيع أن يضمن نجاته من حرب يمكنه شنها ولا يستطيع أحد أن يتخيل نهايتها؟ إننا نعتقد بيقين أن الكونجرس قد منحه الترخيص للقيام بذلك، لأن الهجوم هو تحدي محارب تدعمه قوة عظمى.
من سينقذ العالم من جنون القوة؟
والآن يحبس العالم أنفاسه في انتظار رد الفعل الإيراني من طهران والعواصم التي تدور في فلكها. لقد قال الجميع منذ الساعات الأولى إن إيران تواجه اختباراً مصيرياً، ولا شك لدينا أن العديد من الوسطاء يزحفون الآن نحو إيران، على أمل ألا تستجيب، وتضع مصير العالم على طاولة المرشد.
فهل تفاوض إيران التي انتهكت سيادتها على حل في غزة مقابل امتصاص الإهانة وإقناع وكلائها بالصبر والتروي؟ وأي وجه سيخرج به نصر الله في تأبين قائده الأعلى وأي رادع سيبقى بين يديه إذا لم ينفذ تهديده السابق (العاصمة بالعاصمة)؟
من ينقذ العالم من جنون نتنياهو؟ وهل تكفي الحكمة الإيرانية لإحباط فرص الحرب؟ المعادلة بسيطة هكذا، نتنياهو يحارب العالم وإيران بحاجة إلى رد مهين كما هو، والوسطاء حتى لو لم نراهم لا يقدمون لإيران ثمناً غير طلب الحكمة أو شرب السم، خاصة وأن المعتدي لا يخجل وسيقرأ عدم الرد على أنه خوف من قوته وتلويح بقوة الكونجرس خلفه.
فهل تفاوض إيران التي انتهكت سيادتها على حل في غزة مقابل امتصاص الإهانة وإقناع وكلائها بالصبر والتروي؟ وأي وجه سيخرج به نصر الله في تأبين قائده الأعلى وأي رادع سيبقى بين يديه إذا لم ينفذ تهديده السابق (العاصمة بالعاصمة)؟
نحن في مرحلة التكهنات بلا معلومات، ونرى غطرسة العدو وعدوانيته، ولذلك نعتقد أنه مقابل التعقل الإيراني، سيلجأ نتنياهو، بدعم من الكونغرس، إلى إهانة إيران وحلفائها. وهذه هي الفرصة الذهبية التي ينتظرها. فهل تنسى إيران هذا بينما تتعقل وتؤجل أو تلغي ردها؟ نحن لا نقدم درساً لإيران أو حلفائها، فهم في الصفوف الأمامية في الفعل وليس القول، بل نذكرهم بأن العالم يواجه محارباً حقيراً وكونجرساً أشد حقراً، وكلاهما يعيش على القتل ويتلذذ به.
هذه حرب ضرورية، ونحن لا نملك أخلاق نتنياهو، ولكن بات من الضروري كبح جماح هذا الجنون برد قوي وواسع النطاق يضع مصالح العالم في أزمة شاملة. وما يمنعنا من الدعوة إلى ذلك هو بعدنا الجغرافي المؤقت عن الجبهة المشتعلة.
إن احتفال الكونجرس بالعدو يكشف (بل ويؤكد) أن شعوب المنطقة لا قيمة لها في حساباته. فهو لا يهتم بحياة الناس ولا بكرامتهم ولا بمستقبلهم. إنه استبداد دولي يحتاج إلى ردع فعال.
إن احتفال الكونجرس بالعدو يكشف (بل ويؤكد) أن شعوب المنطقة لا قيمة لها في حساباته. فهو لا يهتم بحياة الناس ولا بكرامتهم ولا بمستقبلهم. إنه استبداد دولي يحتاج إلى ردع فعال.
نرى الفارق في القوة العسكرية واضحاً، ولكننا نرى أيضاً نوعية المحارب الغزاوي الذي نجح رغم الفارق، ونرى أن مساحة واسعة من الحرب تجر الجميع للدفاع عن أنفسهم، ونتوقع الثمن الذي سيدفع، ولكننا نرى أيضاً خسائر العدو.
إن الجميع سوف يعانون حتى يفهموا للمرة الأخيرة أن سبب مآسيهم ليس المحارب الغزاوي أو الدعم الإيراني، بل استقواء الكونجرس وأدواته في المنطقة. وهناك حقيقة واضحة، وهي أن هروب نتنياهو من تصرفه الأخير سوف يعيد المنطقة إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وسوف يفرغ انتصار غزة من محتواه التاريخي والاستراتيجي.
لقد تأجلت هذه الحرب الشاملة، وقد تلاعبت دول المنطقة بطرقها الخاصة لتجنبها، بما في ذلك تلك التي تحكم شعوبها بترخيص من الكونغرس، وتمارس طقوس الولاء والطاعة، بما في ذلك الخيانة بحماس.
ونحن ندرك جيداً أن تخيل ذلك أسهل من تنفيذه (ويمكن كتابته في الشعر والرواية)، لكن السؤال الذي يظل معلقاً منذ سبعين عاماً هو: هل قدم التهرب من هذه المعركة الحل لشعوب ودول المنطقة؟
إن كسر غطرسة نتنياهو وحلفائه (والكيان بأكمله) يعني حتماً تهديد المصالح الاقتصادية العالمية، وفي هذه اللحظات من القلق والترقب تمتلك إيران القوة لإشعال هذه الحرب وتأجيج النيران حولها حتى يستيقظ العالم من نومه أو يستشهد على خطى إسماعيل هنية.
إن فتح جبهة واحدة سيكون مقدمة لفتح جبهات عديدة، وكثيرون من الجالسين سيخرجون من دفء كراسيهم إلى شوارع مظلومة لم يقهرها إلا خدم الكونجرس الذين اختيروا لخدمته، وكانت أعظم خدمتهم هي قهر شعبهم.
Discussion about this post