تحتاج إنسانية المستعمر الظالم إلى عقود من الزمن لتخرج من ظلماتها إلى النور، هذا إن خرجت أصلاً، وتعترف بما ارتكبته من إبادة وقمع واستعباد للشعوب التي أبادت أجيالاً من البشر. لهم، فقط لأنهم ضعفاء. وهذا بالضبط ما عبر عنه اعتذار الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث اعتذر عن دور السلطة في إدارة المدارس الداخلية التي أساءت إلى الأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) لأكثر من 150 عاما.
وقال صاحب الصحوة الإنسانية المفاجئة في كلمته بهذه المناسبة: “هذا من أهم الأشياء التي أتيحت لي الفرصة للقيام بها طوال حياتي المهنية.. إنها خطيئة عالقة في نفوسنا”. . أعتذر رسميًا.” وكان من الطبيعي أن يسأله أحد الحاضرين عن هذه المفارقة العجيبة، ففي الوقت نفسه كانت الأسلحة الأميركية تقتل لبنانيين وفلسطينيين أبرياء. وسأله: “كيف تعتذر عن الإبادة الجماعية وأنت ترتكب إبادة جماعية في فلسطين؟”، فرد عليه بايدن بالقول: “يُقتل الكثير من الأبرياء وهذا يجب أن يتوقف”.…
لم يأبه جو بايدن، الذي أفاق من غيبوبته الإنسانية، بما كشفه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، السبت، عن استشهاد أكثر من 820 فلسطينيا جراء الهجمات الإسرائيلية على شمال قطاع غزة، الذي تعرض لقصف إسرائيلي. الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لمدة 22 يوما فقط. ولم يسمع كيف اعتقل جيش الاحتلال الكادر الطبي الذكور بالإضافة إلى الجرحى والمرضى من مستشفى كمال عدوان، واحتجز مئات المرضى والطاقم الطبي وبعض النازحين من جيران المستشفى الذين لجأوا إليه من القصف. وقصف متواصل عليها وبقيت دون غذاء أو دواء لإنقاذ حياة الجرحى والمرضى فيها.
ولم تُسمع صرخة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الذي حذر من الوضع الكارثي في شمال غزة الذي دمرته الحرب. فهو لم يسمع أو يرى أياً من هذا، وقد يستغرق الأمر عقوداً عديدة أخرى حتى يستيقظ أحفاده ويقدمون اعتذاراً لا معنى له عن الإبادة الجماعية التي استمرت دون توقف طوال قرن من الزمان.
خرج مواطنون تونسيون، السبت، غاضبين مما يحدث لإخوانهم في فلسطين ولبنان. كانوا يصرخون بعنف: “فرنسا هي… فرنسا استعمارية”. لأنهم يعتبرون أن المستعمر الظالم هو نفسه مهما تغير الزمن، يغير ربطة عنقه ونوع الكاميرا التي يقف أمامها ويتمتم بكلمات تفوح منها رائحة الاعتذار، لكنه في الواقع يواصل نفس الاضطهاد ونفس الظلم. ، ولا فائدة من صحوته حتى لو كانت صادقة، لأنها تأتي بعد فوات الأوان.
Discussion about this post