إن الموقف الأميركي الرسمي من العدوان المستمر على غزة والشعب الفلسطيني، ومن جرائم الإبادة الجماعية الصهيونية، محسوم تاريخياً على الجانب الإسرائيلي مع الموقف التقليدي لمعظم الرؤساء الأميركيين منذ نكبة فلسطين. ولم تعد هناك حاجة، أو مبرر، لانتظار سياسة أميركية جديدة قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها، للرهان على التغيير. ما يتعلق بالقضايا العربية، بما فيها القضية الفلسطينية. وهذا الموقف تعيشه شعوب الوطن العربي ويعرفه معظم القادة العرب. وحامية المصالح الأميركية والاستعمارية في المنطقة هي إسرائيل.
ولا داعي لتفسير مضمون الخطوة الأميركية بإرسال حاملات طائرات إلى المنطقة وأرتال من شحنات الصواريخ والذخيرة والدفاع الجوي، والاستنفار الدبلوماسي الأميركي في كل المحافل، لتؤكد رسالة قاعدتها التي تحمي المنطقة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إسرائيل. والحماية هنا لها تفسير أميركي إسرائيلي بفهم عربي، وهو «التهديد الإيراني»، وإذا حصلت مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران فإن من سيواجهها هي القواعد الأميركية بجيوشها وأساطيلها.
ولأنه لا يوجد صوت عربي اليوم يعلو على الصوت الأميركي الإسرائيلي وجرائم الإبادة الجماعية في غزة، فقد فرض كاتم صوت صهيوني جولة العدوان المتواصلة، لتحول الأنظار عن جريمة الإبادة الجماعية في غزة إلى جريمة مماثلة في لبنان، ويدفعون مرة أخرى لتصوير الأمر على أنه القول بأن مشكلة المنطقة واسعة النطاق. مواجهة الاحتلال وغطرسته وربط ذلك بسلوك طهران، وليس بسلوك الاحتلال ووجوده واستمرار جرائمه في فلسطين. والأهم هو إسقاط هذا الاحتلال وكل مشاريع “السلام” والأوهام المرتبطة به.
الاستسلام العربي الآن لجرائم الإبادة الجماعية في غزة، والصمت إزاء العدوان المتوسع على لبنان ومواجهته بمواقف التحذير والإدانة والخوف من التصعيد، واتساع نطاق الحرب التي سادت طوال عام الإبادة الجماعية الفلسطينية وهي ذاتها التي أتاحت لغزة أيضاً أن تكون نموذجاً للتأثير العربي المدمر عليها وعلى الشعب الفلسطيني وقضيته.
عكست تصريحات حكومة نتنياهو وقادتها الفاشيين، من بن جفير إلى سموتريش؛ ومن الواضح أن هناك مخططات للتطهير العرقي في غزة وفصل شمال القطاع تمهيداً لضمه والاستيطان، وإحياء أحلام إسرائيل الكبرى القديمة والجديدة.
في فلسطين محتل وشعب يرزح تحت وطأته، وهناك جرائم كبرى ومجرم، وعلى أطراف هذه الجريمة عالم عربي، فيه جبال الكرامة العربية والعزة والأمن والسياسة والكرامة العربية. انهيار السيادة. كل صباح ومساء في غزة وفي بقية مدن فلسطين المحتلة، هناك مجزرة ترتكبها قوات الاحتلال، وجريمة إبادة جماعية. جماعة تهدف إلى القضاء على شعب فلسطين وهزيمته.
أعداد الضحايا في مجزرة جباليا الأخيرة أقسى من أي كلمة، والمواقف العربية الخالية من الضمير الأخلاقي والإنساني والوطني لم تنفع مع كل جرعات المشاعر الوطنية والدينية والإنسانية التي أبداها الضحايا وحاولت صرخات إثارة القلق العربي والإسلامي. في مواجهة عالم يتأمل المشهد المهين لشلال الدم الفلسطيني والعربي، بل وينتظر صحوة عربية جديدة تخرج هذه الأمة من أعماق الذل والبؤس والعجز التي تغرق فيها الأنظمة العربية .
لقد أصبح واضحاً يوماً بعد يوم أن الخلل الموجود الآن لصالح الفاشية الصهيونية في المنطقة العربية بشكل مطلق ليس بسبب الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل، ولا هو بسبب استمرار النفاق الغربي للمستعمر، بل من التوجه العربي القائم للنظر في المشروع الصهيوني. فهل ما زال يمثل بالنسبة لبعض السياسات العربية مشروعا استعماريا غربيا للسيطرة؟ على المنطقة؟
ونظراً للمواقف الغربية والأميركية اللاتينية من جرائم الإبادة الجماعية الصهيونية في غزة وفلسطين، فإن الجواب القوي ينبع من غريزة أخلاقية ومن ثوابت لم تعد موجودة في قاموس السياسة العربية التي تقبل كل يوم المساس بكرامتها وسيادتها وكرامتها. تخفيض حضورها وفعاليتها إلى مستوى الصفر. الشارع العربي يحفظ أسماء دول وحكومات وشخصيات سياسية وفنية وأكاديمية ومؤثرة غير عربية تتخذ موقفا واضحا بقطع العلاقات مع الاحتلال وتطالبه بالتوقف عن تسليحه واعتباره سلاحا مجرم ومعارض أمام المحاكم الدولية، فيما تتلاشى المواقف العربية الرسمية تحت وطأة اليأس والخراب والدمار والجرائم، ما يعني أن مهمة الاحتلال ومشروعه هو تنفيذ نمط الجريمة في غزة ولبنان ومن ثم فلسطين. الضفة الغربية والقدس هما اللذان سيحكمان العلاقة المستقبلية بين إسرائيل والأنظمة العربية.
الاستسلام العربي الآن لجرائم الإبادة الجماعية في غزة، والصمت إزاء العدوان المتوسع على لبنان ومواجهته بنفس مواقف التحذير والإدانة والخوف من التصعيد، واتساع نطاق الحرب التي سادت طوال عام الإبادة الجماعية الفلسطينية وهي ذاتها التي أتاحت لغزة أيضاً أن تكون نموذجاً للتأثير العربي المدمر عليها وعلى الشعب الفلسطيني وقضيته. .
مقاومة شعب فلسطين لإبادته ستستمر حتما، حتى لو بدا الأفق العربي والدولي بعيدا، لأن الدماء التي تسيل كل يوم وكل ساعة على أرض فلسطين تجعل انتظار مستقبل الخلاص من المحتل مستحيلا. وفق سياسة الاستسلام للأمر الواقع. لكن المؤكد أن للشعب الفلسطيني والعربي كلمة أخرى سيقولها ويكررها كما فعل من قبل في ثوراته
ولم يكن من المفيد للسياسة العربية تقليد استخدام التعبيرات الغربية عن القلق. لم تعد هناك جريمة لم ترتكب في غزة: مجازر جماعية، جوع، حصار، تطهير عرقي، إعادة احتلال وتهجير قسري، ولم يعد هناك ما يمكن البناء عليه لـ«اليوم التالي» في فلسطين. جرائم الاستيطان والتهويد والقتل مخططات وسياسات اليمين الفاشي في إسرائيل خالية من الرتوش، وتتناقض مع كل ما تعهدت به السياسة العربية لنفسها فيما يتعلق بالسلام والآخرين في المنطقة فيما يتعلق بالمستقبل “السعيد” بعد القضاء على من يقاومه. المحتلين. ومن يشاركه الحلم أو الوهم بشرق أوسط جديد يفترض به أن “الحضارة الصهيونية” تشرق على بعض العيون وتعميها عن حقيقتها.
وأخيراً، فإن دراسة السياسة العربية والأميركية والغربية إزاء ما يجري على أرض فلسطين، وحتى من دون فحص، تكشف يقيناً أن المشكلة ليست في طبيعة المواجهة الدائرة الآن بين طهران وإسرائيل، أو بين طهران وإسرائيل. فما تروج له إسرائيل من شن حرب على سبع جبهات إنما يكمن في وجودها. كقوة احتلال استعمارية ذات نظام فصل عنصري.
مقاومة شعب فلسطين لإبادته ستستمر حتما، حتى لو بدا الأفق العربي والدولي بعيدا، لأن الدماء التي تسيل كل يوم وكل ساعة على أرض فلسطين تجعل انتظار مستقبل الخلاص من المحتل مستحيلا. وفق سياسة الاستسلام للأمر الواقع. لكن المؤكد أن للشعب الفلسطيني والعربي كلمة أخرى سيقولها ويكررها، كما فعل من قبل في ثوراته، رغم عجز رموزه الحالية. إن المقاومة في فلسطين هي التي تفتح باب الأمل، رغم «المستحيل العربي» للتغيير الذي يؤكد نفسه منهزماً أمام المحتل وجرائمه.
Discussion about this post